شهد سجن رومية المركزي في جبل لبنان فجر امس، محاولة فرار لثمانية سجناء من عناصر «فتح الاسلام» من الزنزانة التي تجمعهم، ونجح واحد منهم فقط بالهرب من السجن والتواري عن الانظار، فيما ألقت الاجهزة الامنية القبض على السبعة الآخرين. والفار سوري الجنسية ويدعى طه احمد حاجي سليمان وهو ملاحق في عدد من الدعاوى امام القضاء العسكري تحمل طابعاً ارهابياً، فضلاً عن استمرار محاكمته امام محكمة الجنايات في بيروت بالسطو المسلح على «بنك لبنان والمهجر» في عام 2006 بتحريض من رئيس تنظيم «فتح الاسلام» شاكر العبسي. وكان ألقي القبض على سليمان من جانب اللجنة الامنية في مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين في الشمال قبل معركة نهر البارد، اثناء هجوم نفذه تنظيم «فتح الانتفاضة» في المخيم، وسلمته اللجنة الامنية الى الجيش اللبناني وجرى توقيفه منذ ذلك الحين. وكان السجناء الثمانية ومن بينهم المسؤول الاعلامي في تنظيم «فتح الاسلام» محمد صالح الدواوي (ابو سليم طه، السوري - الفلسطيني من مخيم اليرموك) والسوري ياسر محمد الشقيري (احد الموقوفين في جريمة عين علق، وكان له، كما قالت مصادر امنية ل «الحياة»، دور لوجستي ضمن المجموعة التي نفذت التفجير)، عمدوا على مدى ايام الى نشر قضبان نافذة الزنزانة التي تجمعهم وتقع في الطابق الثالث من المبنى، بواسطة آلات حادة صنعوها بأنفسهم من «ركاوى القهوة» ومعدّات اخرى من الحديد قاموا بسنّها ونشروا بواسطتها القضبان. وفجر امس، صعدوا على اكتاف بعضهم بعضاً، جاعلين من انفسهم سلّماً بشرياً وتمكنوا من النزول عبر النافذة الى باحة السجن الخارجية بواسطة حبال صنعوها من اغطية ربطوا بعضها ببعضها الآخر. وتسلق سليمان مبنى آخر في حرم السجن، واذ تمكن بفضل نحافته (يزن 45 كلغ) من الافلات الى الأحراج المحيطة بالسجن، وقع سجين آخر عن الحبل الذي انقطع من علو خمسة امتار وأصيب بكسر في ظهره، وحصلت جلبة لفتت نظر الحراس الذين استنفروا وألقوا القبض على السبعة وهم الى جانب الدواوي والشقيري: فيصل اسماعيل عقلي (سوري) وخالد رياض المحمود (لبناني، موقوف بأحداث الضنية) وفراس حميدي ونوري المحمود ويوسف درويش (لبنانيون). وباشرت وحدات من القوى الامنية البحث عن الفار سليمان بمساعدة طوافات عسكرية، وأقيمت الحواجز على الطرق المحيطة بالسجن، كما اقيمت اطواق امنية في محيط مخيمات الجنوب وتحديداً عين الحلوة ومخيمات الشمال، وعممت المديرية العامة لقوى الامن صورة للسجين الفار طالبة من المواطنين ابلاغ الاجهزة الامنية في حال مشاهدته. وذكرت مصادر امنية ان السجناء الثمانية عمدوا قبل تنفيذ عمليتهم الى حلق ذقونهم، لإبعاد الشبهات عنهم في حال نجحوا بالفرار. وقالت المصادر ان عملية الفرار هي من تخطيط «ابو سليم طه» ولمصلحته، وأن نحافة سليمان وقدرته على العدو ساعدتاه على الفرار. وأشارت الى ان «ابو سليم طه» لو تمكن من الفرار لوازى فراره في الأهمية فرار شاكر العبسي (زعيم «فتح الاسلام») خلال معركة نهر البارد. وذكرت معلومات امنية ايضاً ان سيدة تقدمت امس ببلاغ الى الاجهزة الامنية اشارت فيه الى ان شخصاً اوقفها وهي تقود سيارتها في منطقة قرب «فورم دي بيروت» (جسر الكرنتينا) وشهر في وجهها خنجراً وأمرها بقيادة السيارة بالاتجاه الذي يريد. وعند وصولها الى منطقة المرفأ اصطدمت عمداً بسيارة «فان»، ما دفع الشخص المذكور الى الفرار الى جهة مجهولة. ولاحقاً أدلت السيدة المذكورة بإفادتها في مخفر الاشرفية، إلا انها عندما عرضت صورة السجين الفار عليها لم تؤكد انه الشخص المطلوب. وكان مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية المناوب القاضي احمد عويدات يرافقه قاضي التحقيق العسكري المناوب مارون زخور انتقلا الى سجن رومية واستمعا الى الموقوفين والعسكريين للتحقيق في الحادث. بارود وريفي وأعلن المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي «فتح تحقيق قضائي ومسلكي بالحادث»، فيما انتقد وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال زياد بارود «المزايدات الاعلامية التي سجلت عقب الاعلان عن الحادث»، وأوضح في تصريحات أن «موضوع السجون مزمن وهناك فرق كبير بين الاستيعاب الفعلي والاستيعاب الهندسي للسجون»، لافتاً الى «أن السجون لم تكن يوماً أولوية، وأنا كنت اول وزير داخلية يدخل الى السجون ويعرف كيف يعيش السجناء. ومن يزايد في هذا الموضوع فليخبرني ماذا فعل». وأكد حرصه على «معنويات مؤسسة قوى الأمن»، لافتاً الى «وجود مستفيدين من الخلل داخل السجن، فلا ينادينّ أحد بالعفة إذا كان لا يملكها». ووزّعت وزارة الداخلية نَص التقرير الذي كان رفعه بارود إلى مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 27/1/2009، بعد أعمال الشغب التي شهِدها سجن القبة في طرابلس. وذكّرت الوزارة بما كان خلص إليه التقرير من أن «عدم اتخاذ التدابير الفورية والإيحاء بجدية التعاطي مع الموضوع وإعطائه الأولوية، قد يؤديان إلى تكرار أعمال الشغب التي قد لا تتمكن القوى الأمنية من تجنّب سقوط ضحايا بنتيجتها». يذكر ان الفار سليمان اوقف في سورية سبع سنوات بتهمة انتمائه الى تنظيم «القاعدة»، اثناء محاولته الدخول الى العراق «للجهاد ضد الاميركيين»، ثم دخل لبنان خلسة بعد انتهاء محكوميته لينضم الى «فتح الاسلام». ولاحقاً اصدر الوزير بارود قراراً اتخذ بموجبه تدابير فورية بتوقيف ضباط وعناصر، بالاضافة الى نقل جميع الضباط والعناصر في السجون كافة. واوضح بارود في قراره انه «نتيجة تكليف المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي من قبل الوزير بإجراء التحقيقات الفورية اللازمة، لتحديد المسؤوليات عن عملية الفرار التي حصلت، وحيث اتضح من التقرير الأولي للمفتشية وجود ثغرات إجرائية قد تكون ساهمت في حصول عملية الفرار، وبانتظار استكمال التحقيق الذي تجريه، بموازاة التحقيق العدلي الذي يتولاه مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، وحيث انه يقتضي اتخاذ تدابير جذرية وحاسمة من شأنها تعزيز ضبط أمن سلامة السجون عموماً وسجن رومية خصوصاً، يتقرر التوقيف الفوري لكل من: آمر سجن مبنى الموقوفين في السجن المركزي، وضابط الدوام في سرية السجون المركزية، والمراقبين العامين كافة في مبنى سجن الموقوفين، وحرس الطابق الثالث في مبنى سجن الموقوفين، وذلك لحين استكمال التحقيق الذي تتولاه المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي، وترتيب المسؤوليات والعقوبات في ضوء نتائج التحقيق المذكور». وطلب بارود الى «قيادة وحدتي الدرك وشرطة بيروت كل في ما خصه، إجراء مسح شامل على كل السجون واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة فوراً وتعزيزها لتأمين حمايتها من الداخل والخارج». كما طلب من «المديرية العامة لقوى الأمن المباشرة فوراً بفصل كل الضباط العاملين حالياً في السجون كافة على أن يتم هذا الفصل بمهلة 15 يوماً من تاريخه، وكذلك المباشرة فوراً بفصل او نقل العناصر كافة من السجون كافة على أن يتم هذا الفصل او النقل خلال مهلة شهرين على الأكثر من تاريخه».