على رغم أن «أبودين»، الدولة العربية التي تجري فيها أحداث المسلسل الأميركي الجديد «الطاغية»، هي من خيالات منتجيه ومؤلفيه، لكنّ هؤلاء رغبوا لمسلسلهم الذي تعرضه قناة «أف أكس» (إحدى قنوات مؤسسة «فوكس» الأميركية)، أن يكون آنياً بمرجعياته وإشاراته للزمن الشرق الأوسطي المُعاصر، إذ تقدم الحلقة الأولى منه حواراً بين رئيس هذه الدولة المتخيّلة وابنه الآتي للتو من الولاياتالمتحدة، يُشار فيه للعالم المُتغير من حولهما، فيشكو الرئيس الذي يملأ الشيب ذقنه لابنه حاله وما آل إليه البلد، قائلاً: «صدام والقذافي قتلا، ومبارك يواجه المحاكمة وزين العابدين في المنفى... بعد كل ما قدمته لهذه البلاد ما زال الناس غير راضين». تُقاوم «أبودين»، الدولة التي تعيش رخاء اقتصادياً وتطبع القبليّة نسيجها الاجتماعي، التغيير الآتي من الخارج والداخل، فالحياة تغلي تحت سطح الحياة اليومية التي تبدو لغير المُطلع مستقرة، وهناك من ألهمته ثورات الربيع العربي ليبدأ نشاطاً لإسقاط الديكتاتورية المُتحكمة بالدولة منذ عقود. لكنّ هذه التفاصيل ستشكل خلفية المسلسل فقط، فيما يذهب الاهتمام الأكبر فيه إلى عائلة الديكتاتور: ابنه «بسام» الذي ترك البلد عندما كان في السادسة عشرة، وتوجه إلى الولاياتالمتحدة التي درس فيها ليعمل هناك بعد التخرج كطبيب حقق سمعة جيدة، والابن الثاني «جمال»، وليّ العهد، القاسي والمهووس إلى حد الجنون بالسلطة والملذات (هناك تشابهات لا يمكن إغفالها بين شخصيتي المسلسل الرئيستين وعدي صدام حسين وبشار الأسد). تحاول الحلقة الأولى من المسلسل أن تُعرف بشخصياته الأساسية وترسم أبرز ملامحها، فنرافق الابن الطبيب في حياته الأميركية، وهو يستعد لزيارة بلد الأصلي، والذي حاول جاهداً نسيانه والابتعاد عن متاعبه، من أجل حضور زفاف ابن أخيه. أخفى «بسام» عن زوجته الأميركية وأبنائه الكثير عن حياته كابن لديكتاتور. في المقابل وفي مشاهد مُوازية، سنتعرف إلى الابن الثاني «جمال» في مشاهد مروعة بقسوتها، فهو كان يغتصب إحدى السيدات في غرفة نومها، فيما يجلس زوجها وأولادها، يحيط بهم حرس الأمن، مرعوبين في صالة البيت، يستمعون لصرخات الأم الآتية من الغرفة المجاورة. تناقضات كبيرة يستعد المسلسل لتقديمها، فلهذا البلد العنيف سيصل الطبيب «العاقل» الذي هذبته الحياة في الغرب، فأي مصير ودراما سيكونان بانتظاره؟ ينتمي مسلسل «الطاغية» إلى اتجاه جديد من المسلسلات الأميركية من التي لا تقدم شخصيات واضحة المعالم (الذين يقفون خلف هذا المسلسل اشتركوا في كتابة مُسلسل «هوملاند» وإنتاجه)، وشخصيات تندرج تحت اتجاه ما يعرف «ضد البطل». لا يوجد خير أو شر كامل في المسلسل، فالدراما تدور وتنتعش في المفاصل الجدليّة الملتبسة، كما لا يمكن تخيل ما يمكن أن تقوم به الشخصيات. فالبطل الطبيب يُخفي أيضاً ماضياً إجرامياً تفصح عن بعضه الحلقات الأولى، كما، وعلى رغم النيات الحسنة له، لا يمكن توقع ما قد يُقدم عليه، هو، أو أخوه الأكبر، والذي استلم السلطة بعد وفاة الأب في الحلقة الأولى، فيما تعثرت محاولات الابن الطبيب للعودة مع عائلته إلى أميركا، ليختار في النهاية البقاء، ومواجهة الصِعاب التي تواجهها دولة عائلته. لا تختلف الصور والأفكار التي يقدمها المسلسل عن العرب في مُجملها، عما اعتادت أن تُقدمه هوليوود. هناك تنميط لا حدود له يخص النظرة الى الشرقيين، كمهووسين بالجنس والسلطة والعنف، كما لا تختلف قصور العائلة المالكة في المسلسل، عن تلك التي ظهرت في أفلام عرضت في بداية القرن العشرين، أي التمسك بعرب «ألف ليلة وليلة». هناك أيضاً تدوير مُقرف لصور نمطية عن العرب والشرقيين، يقطعه أحياناً قليل من الإشارات المُعاصرة الجريئة، فالمسلسل يقدم ممثل الحكومة الأميركية في البلد المُتخيّل، كشريك في فساد السلطة. لكن هذه الإشارات ليست كافية. وعندما يوضع إلى جانب تسطيح الحكاية وتحويلها إلى صراع بدرامية فاقعة على السلطة والنساء، يُقدم بأسلوب المسلسلات المُطولة، يتحول المسلسل بأكمله إلى عمل يقترب من العدائية، وينضم إلى تراث طويل من الأفلام والمسلسلات التي رأت في العرب مصدراً للعنف والشر ونموذج عدو لا يتغير ولن يُسمح له بالتبدل، حتى في زمن الثورات العربية المُعاصرة.