اتسع الشرخ السياسي اللبناني الداخلي أمس، وتكرّس التصدع داخل «قوى 14 آذار»، بسبب الخلاف على قانون الانتخاب، بعد تصويت أكثرية أعضاء اللجان النيابية المشتركة أمس لمصلحة مشروع قانون «اللقاء الأرثوذكسي» الذي يقضي بانتخاب كل مذهب نوابه على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة ووفق النظام النسبي، إثر انسحاب نواب كتلة «المستقبل» و «جبهة النضال الوطني» والمسيحيون المستقلون وأحد نواب «الكتائب» من جلسة اللجان احتجاجاً على عدم الأخذ باقتراحهم تأجيل الاجتماع 48 ساعة من أجل البحث في مشروع توافقي مختلط يدمج بين النظامين الأكثري والنسبي. وحظي المشروع بتأييد تكتل «التغيير والإصلاح» و «التيار الوطني الحر» اللذين يتزعمهما العماد ميشال عون، و «أمل» و «حزب الله» و «القوات اللبنانية» باستثناء واحد، و «الكتائب» باستثناء نائبين. وتزامن هذا التطور مع تنفيذ المعلمين في القطاع العام وبعض القطاع الخاص وفي الإدارات العامة إضراباً عاماً مفتوحاً أصاب هذه القطاعات بالشلل التام ونفذوا اعتصاماً أمام السراي الحكومية، احتجاجاً على عدم إحالة الحكومة سلسلة الرتب والرواتب على المجلس النيابي، وإذ ينفذ المعلمون وموظفو القطاع العام اعتصامات في سرايا المحافظات والدوائر في سائر المناطق اللبنانية اليوم، في ظل عقد جلسة عادية لمجلس الوزراء اليوم لم يتقرر بعد ما إذا كانت ستتطرق الى مسألة تغطية الموارد لتمويل كلفة السلسلة. وأعلن وزير المال محمد الصفدي بعد اجتماع لجنة وزارية برئاسة ميقاتي بعد ظهر أمس، إن السلسلة ستحال على البرلمان في غضون أسبوعين كحد أقصى. وكان تصويت أكثرية اللجان النيابية المشتركة على مشروع الأرثوذكسي لقي ردود فعل سلبية. فاعتبره زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري «يوماً أسود في تاريخ التشريع اللبناني»، وعادت كتلة نوابه فتبنت التعبير نفسه في بيانها بعد اجتماعها الأسبوعي برئاسة رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، معتبرة أن التصويت على «ما سمي خطأ المشروع الأرثوذكسي أدخل لبنان في منزلق خطير يهدد بتدمير ما سبق أن عرفه من قيم وطنية وعيش مشترك واعتدال». كما أثار التصويت حفيظة رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي سبق أن اعتبره مخالفاً للدستور ملمحاً الى أنه سيطعن في دستوريته، فأوفد مستشاره الوزير السابق خليل الهراوي للقاء بري بعد الظهر. وعلمت «الحياة» أن بري أبلغ الهراوي أن الأبواب ليست مقفلة على البحث بمشروع توافقي وأن اجتماع الهيئة العامة للبرلمان من أجل التصويت على قانون الانتخاب ليست قريبة جداً وأنه علّق اجتماعات اللجان النيابية المشتركة عشرة أيام إفساحاً في المجال أمام البحث عن صيغة توافقية على قانون مختلط يدمج بين النظامين النسبي والأكثري، لا سيما أن مداولات اللجنة النيابية المصغرة أظهرت إمكانية تقارب حول توزيع عدد النواب الذين ينتخبون على أساس أكثري وأولئك الذين ينتخبون على أساس نسبي. وفيما يبدي سليمان استعداداً للعب دور من أجل حصول التوافق على مشروع بديل من الأرثوذكسي، ذكرت مصادر أكثر من مرجع رسمي أنه إذا جرى الطعن بالأخير في حال إقراره في الهيئة العامة فإن هذا الطعن سيُقبل من المجلس الدستوري المولج النظر بدستورية القوانين. وتظاهر مساء أمس أمام المدخل المؤدي الى حرم المجلس النيابي ناشطون في «الجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات»، وأقفلوا الطريق أكثر من ساعة في أحد الشوارع الرئيسة في وسط بيروت، احتجاجاً على تصويت اللجان النيابية على المشروع الأرثوذكسي. وفي المقابل اعتبر العماد عون أن التصويت في اللجان النيابية لمصلحة المشروع هو «اليوم الأنصع بياضاً» في رد مباشر على تعليق الحريري عليه. واتصل عون بكل من رئيس «حزب الكتائب» الرئيس السابق أمين الجميل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية والأمين العام لحزب «الطاشناق» هوفيك مخاتريان شاكراً لهم دعمهم المشروع، معتبراً إياه إنجازاً. واستبعد عون أن يتغير الموقف في الهيئة العامة للبرلمان حيث يفترض أن يحصل المشروع على الأكثرية في حال التصويت عليه. ووصف تأييد «الكتائب» و «القوات» له بأنه بمثابة «عقد زواج ماروني». وقالت مصادر «المستقبل» إنها لن تحضر الجلسات بعد الآن، فيما علق نواب «جبهة النضال» حضورهم لها الى أن يعود البحث بالمشاريع الأخرى التي سبق أن طرحت ومنها مشروع «تيار المستقبل» ومشروع «الحزب الاشتراكي» حول اعتماد مشروع مختلط بين النسبي والأكثري. وفيما قال بري خلال اجتماع اللجان، قبيل التصويت، إن اللجان النيابية غير الهيئة العامة وإنه كان ملزماً باتباع مسار التصويت فيها بعدما جرى الاتفاق على أن يطرح المشروع الذي حظي بأوسع توافق من قبل في آلية عمل اللجان، وأنه سيطرح المشاريع الأخرى بما فيها مشروع الحكومة لاحقاً، قالت مصادر «المستقبل» إنها تشك في وعد بري بالبحث عن مشروع توافقي «لأنه هو الذي دعا نواب عون الى استعجال التصويت على المشروع الأرثوذكسي، وهو على ما يبدو غير قادر إلا على مراعاة ما يريده عون و حزب الله باعتباره كان وعد بعدم التصويت على المشروع، وباعتماد نصاب اجتماع اللجان النيابية على أساس النصف + واحداً، لكنه احتسبه على أساس عدد الحضور، وحديثه عن البحث عن بدائل في الأيام العشرة التي علّق فيها الاجتماعات النيابية قبل دعوة الهيئة العامة ليس التزاماً بذلك، بل مجرد إبداء حسن نيات قد تنتهي بدعوتنا للعودة عن مقاطعتنا للهيئة العامة نحن وجبهة النضال تمهيداً لطرح الأرثوذكسي على التصويت وإقراره». وتفاعلت في بيروت أمس قضية الاحتجاجات الخليجية على تصريحات العماد عون حول وضع البحرين، ما دفع سليمان وميقاتي، وفق مصادر رسمية، الى عقد جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم برئاسة الأول من أجل إصدار موقف رسمي يؤكد حسن العلاقة مع دول الخليج. وطلب سليمان من السفراء اللبنانيين التشديد على إعلان بعبدا بالنسبة الى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة.