تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    سجن سعد الصغير 3 سنوات    تحديات تواجه طالبات ذوي الإعاقة    حرفية سعودية    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    رئيسة (WAIPA): رؤية 2030 نموذج يحتذى لتحقيق التنمية    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    أمطار على مكة وجدة.. «الأرصاد» ل«عكاظ»: تعليق الدراسة من اختصاص «التعليم»    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    «الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    فصل التوائم.. أطفال سفراء    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    نائب أمير الشرقية يكرم الفائزين من القطاع الصحي الخاص بجائزة أميز    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    ضاحية بيروت.. دمار شامل    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    ألوان الطيف    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    أهمية قواعد البيانات في البحث الأكاديمي والمعلومات المالية    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    تطوير الموظفين.. دور من ؟    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نديم إلياس: المسلمون المتطرفون الجدد يُنسب شذوذهم لتقصيرنا نحن في استيعابهم!
نشر في الحياة يوم 19 - 02 - 2013

الدكتور نديم إلياس من أهل مكة، ولا تقتصر درايته على شعابها، بل يعرف أيضاً دروب الطب، وعلوم الشريعة، والتعامل مع الغرب بمكوناته كافة سياسيين ورجال دين ومفكرين وإعلاميين، لكنه لا يستمرئ البقاء مع الصفوة، بل ينزل إلى البسطاء، يعرف كيف يخاطب الجميع، ويتسع صدره للنقد، ويعمل من أجل أن يجد المسلمون مكانتهم في المجتمع الألماني، وأن يسهموا في رفعته، ويعترف بجوانب القصور، لكنه لا يقبل ربطها بالإسلام، بل يجد أن أسبابها اقتصادية واجتماعية.
يرحب بمركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا، ولكنه في الوقت ذاته يشدد على أهمية الحوار على المستوى المحلي، لمناقشة المشكلات الحياتية، والتوصل إلى حلول لها، وهو يتحدث عن الحوار الذي يمارسه منذ أكثر من 40 عاماً، ويشجع على التعددية داخل الأقلية المسلمة، بشرط وحدة الهدف.
اكتسب هذا الرجل الهادئ الصوت، البشوش دوماً، صدقيته من عدم استخدام لغتين مختلفتين مع المسلمين ومع غير المسلمين كما يفعل البعض، لأنه لا يسعى لإرضاء هؤلاء ولا هؤلاء، بل يسعى لإرضاء الله، وله رؤية لا يحيد عنها، ولذلك له بعض الآراء التي قد لا ترضي البعض، ولكنه يقولها عن قناعة، ويرى أن اختلاف المجتمع يتطلب اختلاف الطريقة في التعامل مع مناهج التربية، ويرد على المصممين على إبراز التناقض بين الإسلام والدساتير الغربية، بأن المعيار هو سلوك الرسول صلى الله عليه وسلم.
يؤكد أن معلمي التربية الإسلامية المتخرجين في الجامعات الألمانية لن يتبنوا توجهات مخالفة للدين الإسلامي، لأن الدولة لا تتدخل في المناهج الدراسية لأقسام اللاهوت الإسلامي، كما لا تتدخل في كليات اللاهوت المسيحي، بل يكون الأمر متروكاً للطائفة الدينية نفسها، وأشار إلى أن المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا مشارك في مجلس أمناء قسمي إعداد معلمي التربية الإسلامية في كل من جامعتي مونستر وأوسنابروك.
قدمت الكثير من الخير إلى ألمانيا، ونقلت خيراً كبيراً من المملكة إلى ألمانيا، فهل قدم الدكتور نديم إلياس شيئاً إلى بلاده، بناء على كل خبراته في ألمانيا، أم أن العمل في ألمانيا، لا يجعل لديه الوقت للقيام بجهود إضافية تجاه المملكة؟
- السؤال عن إفادتي للمملكة طرحته على نفسي بعد الانتهاء من التخصص في الطب كطبيب نساء وولادة، وقلت إذا عدت إلى البلاد سينفع بي الله هناك بزيادة طبيب، وإذا بقيت هنا فقد أنفع البلاد بحكم مسؤولياتي بصفتي الأمين العام لاتحاد الطلبة المسلمين في أوروبا، وعضواً في مجلس المركز الإسلامي في آخن، ومؤسساً للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، ومؤسساً لمجلس التعاون الإسلامي في أوروبا.
ومن خلال هذه المهمات والمسؤوليات يمكن أن ينفع الإنسان المسلمين في ألمانيا، ولكن في الوقت نفسه يمكن أن ينفع المسلمين وبلاد المسلمين عموماً، ليس فقط المملكة بل بلاد المسلمين عموماً، لأن هذه المؤسسات ممثلة للمسلمين في هذه البلاد، وهي بطبيعة الحال اللسان الناطق بهمومهم ومشكلاتهم، وهي الناقلة لما يوجد لدينا من خير في ديننا وبلادنا.
ولكن هذا لا يتم إلا بالتعاون مع بلاد المسلمين، وهذا الذي كان من خلال المشاركة في المؤتمرات وفي المؤسسات في العالم الإسلامي، فأنا أقوم بتقديم المشورة من دون وظيفة رسمية، بصفتي مستشاراً لعدد من المؤسسات الإسلامية في بلادنا في وزارة أوقاف أو في الرابطة أو في وزارة الشؤون الإسلامية أو في المركز العالمي للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته وغير ذلك.
ولعل من خلال القيام بهذا الدور يكون النفع أيضاً لبلادنا، وهو الجسر الذي يجب أن نقويه وندعمه، ولا يكفي أن يتكون هذا الجسر من شخص واحد، وإنما يجب أن تكون هناك أعداد كبيرة من الأشخاص يشكّلون هذا الجسر الحضاري، الذي يجب أن ينقل الخير من هنا وإلى هنا إن شاء الله.
ترجمة القرآن الكريم
شاركتم في ترجمة القرآن الكريم، وهذا جهد ضخم وعملاق، فهل تقومون بترجمات أخرى أو تأليف كتب؟
- ترجمة كتاب «اللؤلؤ والمرجان» جاهزة للطبع، وكتاب «خطواتي الأولى في الإسلام» تحت الإعداد. وبحكم تأسيسي المجمع العالمي للأوقاف الإسلامية في ألمانيا، والوقف الإسلامي للتربية والثقافة، ووقف إلياس الرومي، بحكم تأسيسي هذه الأوقاف وإشرافي عليها أقوم بأعمال من هذا النوع.
ومن مشاريع المجمع العالمي للأوقاف الإسلامية على سبيل المثال، مشروع جسر الحضارات، الذي يعمل على إنشاء معهد للبحوث والدراسات الإسلامية، ومعهد لتأهيل الأئمة والعلماء والدعاة، ومتحف إسلامي ومكتبة عامة، وغير ذلك.
ومن المشاريع المنبثقة عن الوقف مشروع حقيبة المسلم الجديد، ونهدف من خلال هذا المشروع إلى تزويد كل مسلم جديد بحقيبة تحتوي على ترجمة معاني القرآن، وترجمة صحيح مسلم وصحيح البخاري ورياض الصالحين، وتحتوي على كتاب خطواتي الأولى في الإسلام.
وهذا الكتاب تحت الإعداد الآن، ويهدف إلى توجيه المسلم الجديد إلى خط الوسطية والاعتدال في هذا المجتمع، فمن رأينا أن المسلمين المتطرفين الجدد الألمان، هؤلاء لا ينسبون إلى الإسلام ولا إلى الألمان، ولكن يُنسب شذوذهم وتطرفهم لتقصيرنا نحن في استيعابهم وتوجيههم، فنسعى من خلال حقيبة المسلم إلى التوجيه.
وإلى ربط المسلمين الجدد مباشرة بالمؤسسات المعتدلة والمتزنة في هذا المجتمع.
هل تعتقد أن مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، الذي جرى افتتاحه أخيراً في فيينا، سيترك بصماته على البشرية جمعاء؟
- نأمل هذا إن شاء الله، وهو مؤسسة واحدة ضمن مؤسسات عدة موجودة أو يجب أن توجد، ويجب ألا ننسى أن الحوار له أصول ومبادئ، ويحتاج إلى توجيهات مشتركة علوية.
ولكن الحوار يتم في الساحة التي يعيش فيها الإنسان، فنحن في حاجة إلى مراكز للحوار محلية في كل بيئة وفي كل مكان، وفي كل قطر.
وليس فقط إلى مجالس مشتركة عالمية، وإنما أيضاً إلى النظر إلى الوسائل التي توصل الحوار وأسسه إلى الساحة العملية اليومية.
شاركتم في الكثير من ندوات الحوار، فهل يتحاور رجال الدين عن قضايا عقائدية ويبحثون عن قواسم مشتركة، أم يسعون لإيجاد قيم تساعد في حل مشكلات البشرية مثل الفقر والجوع والحروب الأهلية؟
- الحوار له مستويات عدة، هناك الحوار العلمي الديني، وهناك الحوار العملي. الحوار العلمي هو مجادلات ثقافية بين طوائف مختلفة واتجاهات فكرية مختلفة للمساجلة بين هذه الجماعات، ولن يوصل هذا الحوار على سبيل المثال إلى إقناع طرف بصحة ما لدى الطرف الآخر بالضرورة، أو إلى تغيير واقع نعيشه، إنما هو حوار علمي، مثلما يتحاور العلماء في نظريات مختلفة.
الحوار الثاني وهو الحوار العملي وينطلق من التعارف، وتبادل المعرفة المشتركة بين الطرفين، ودرس المشكلات التي يواجهها الطرفان، والبحث عن وسائل لحل هذه المشكلات المشتركة.
هذا هو الحوار العملي الذي نحن في حاجة إليه، ولكن لن نصل إلى التعاون لحل المشكلات من دون أن نمر عبر جسر الحوار، لذلك فإن الحوار في حد ذاته مهم وأساسي.
ولكن يجب أن يكون هدف الحوار في نهاية المطاف، التغيير المباشر في حياتنا وفي مجتمعاتنا وفي العالم ككل.
هل تشعر بأن جهود خادم الحرمين الشريفين وصلت إلى ألمانيا وأوروبا أم أن هناك تمسكاً بصورة سلبية عن المملكة تتكرر في الإعلام في كل مناسبة، حتى ولو كانت المناسبة إيجابية مثل توزيع جائزة الملك عبدالله العالمية للترجمة في برلين، أو افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية؟
- لن يعدم العاملون أجر عملهم وأثر جهودهم، فالخطوات التي قام بها خادم الحرمين الشريفين، هي في حد ذاتها ضرورية وأساسية، والعالم ككل والعالم الغربي بخاصة يشعر بضرورة هذا.
وإن انتقد بعض الصحافيين أو الكتّاب أو بعض السياسيين في الغرب المملكة أو بلاد المشرق العربي، فهو من قبيل إكمال الصورة كما يعتقدون.
ويرون أن ذلك ضروري لضمان توازنهم في المجتمع الذي يكتبون فيه، وأن عليهم أن يكتبوا عن السلبيات والإيجابيات في الوقت نفسه.
فيجب ألا يثنينا هذا عن متابعة المبادرات، إذا إنها في أصلها حق وصواب وضرورة، ويجب ألا يثبط عزيمتنا إذا تخيلنا أنهم لا يقدِّرون عملنا كما ينبغي، بل هم يقدِّرون هذا العمل، وإذا لم يقدروه الآن، فإنهم سيشعرون بضرورته في يوم من الأيام.
الحوار الديني
بعد كل هذه الأعوام من الحوار الديني، ما فائدته؟
- الحوار الديني بالشكل الذي نراه في ألمانيا الآن، وأنا مشارك في الحوار العملي الديني منذ السبعينات، أي منذ أكثر من 40 عاماً، هذا الحوار أوصل إلى بعض الأهداف والنتائج، منها التعارف المشترك بين أطراف الحوار، لا أقول بين أطراف المجتمع بل الأطراف المهتمة بالحوار، وأوصل إلى بعض المواقف المشتركة، بصورة محدودة للغاية، ولم يوصل إلى العمل المشترك.
والأصل في الحوار أن يوصل إلى تعايش وعيش مشترك وعمل مشترك وتلاحم بين أطراف المجتمع، وبالتخصيص هنا بين المسلمين وغير المسلمين، لحل المشكلات المشتركة التي نعيشها، الحوار لم يصل إلى هذا الهدف، ثانياً: لم يصل الحوار إلى كسب شريحة عريضة في المجتمع.
إنما بقي حواراً بين المتخصصين والمهتمين، وليس المطلوب أن يبقى الحوار في بوتقة محدودة جداً، من دون أن تصل نتائجه إلى المجتمع، ومن دون أن تصل آثاره إلى سواه، ومن دون أن يكتسب الغالبية العظمى من المجتمع، لم نصل بعد إلى هذا المستوى.
هل يعني ذلك أن نقول إن الحوار فشل؟
- في الحقيقة يمكن أن نقول إن الحوار وصل إلى تحقيق أهداف جزئية.
سادت في أوروبا لفترة طويلة مفاهيم ما يعرف بالتنوير، وهيمنت على السياسة والتعليم وكل نواحي الحياة، ولكن يبدو أن عصر العولمة الحالي صاحبته توجهات للعودة إلى الجذور الأصلية، ومنها الدين. هل ترى أن هناك فعلاً عودة إلى الأديان، وأننا في مرحلة ما بعد التنوير؟
- العولمة إذا كان المقصود منها دمج الأقطار والدول والشرائح الاجتماعية ومصادر الدخل من الاقتصاد والتجارة وتبادل ومعلوماتية، وغير ذلك، دمج ذلك كله تحت سيطرة عالمية واحدة، فهذا مرفوض, ترفضه الطبيعة البشرية، ويرفضه أيضاً التاريخ، لأن التاريخ أرانا أن التوسّع الديكتاتوري الإمبريالي مآله إلى الدمار، دمار الذات ودمار ما يحيط به، إذاً فالعولمة نقبلها، لكن بمفهوم آخر، وهو التواصل بين أطراف العالم، واحتفاظ كل جزء بذاتيته وخصوصيته.
والذاتية والخصوصية لا تعنيان فقط المحافظة على مصادر الدخل والمال الموجود ذاتياً، بل تكون الذاتية أيضاً في الاستفادة منها. والمحافظة على الذات تعني أيضاً المحافظة على القيم وعلى التراث وعلى الدين، وغير ذلك، وأي توجّه يدعو إلى هدم هذه الأمور وتمييعها هو محكوم عليه بالفشل، لأن طبيعة الإنسان لن تقبله، والتاريخ أثبت عدم جدوى ذلك.
في رأيك.. هل استطاع مسلمو ألمانيا وأوروبا عموماً التخلص من خلافاتهم؟
- التعددية في حد ذاتها ليست عيباً أو نقصاً، إن كانت التعددية نوعية، بمعنى أن هناك مؤسسات عدة وجماعات عدة وجمعيات عدة، مختلفة الأنواع ومختلفة الاهتمامات، فهذا التعدد نوعي يحتاجه البشر، في كل مجتمع من المجتمعات هناك مؤسسات متعددة، ولا تغني عنها مؤسسة واحدة بحال من الأحوال، التعدد المنبوذ هو الذي يؤدي إلى الفرقة، وإلى الخلاف وإلى الصراع.
وهذا غير مطلوب، وأعطي مثالاً عملياً على ذلك، وهو المساجد العديدة الموجودة في ألمانيا، هناك مساجد تركية وأخرى بوسنية، وأخرى أفريقية، ومساجد عربية، هذا تعدد نوعي نحن في حاجة إليه. أطفال هؤلاء المسلمين يعيشون هنا في هذه البيئة، ويحتاجون إلى نقل ما في دينهم بلغة تخاطب قلوبهم، وتخاطب عقولهم، واللغة التي تخاطب العاطفة هي اللغة الأم، وليست اللغة المكتسبة، فهم في حاجة إلى هذا، وهناك عدد كبير من الأتراك والعرب لا يجيدون اللغة الألمانية للدرجة التي تجعلنا نستغني بها عن اللغة التركية أو العربية أو غيرهما من اللغات، لكن لا بد من أن تلتقي الجمعيات مع تعدد لغاتها واهتماماتها في مجالات مشتركة.
في المجالس على سبيل المثال، المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، ولا بد من أن تلتقي جميع الجنسيات لتخدم مصالح مشتركة تمسنا جميعاً، بغض النظر عن اللغات، وهذا يتم أيضاً بفضل الله، ولا أخفي أن هناك بعض التجمعات للأسف تنظر إلى القضية نظرة أخرى، لأنها لا تريد أن تترك لغيرها إمكان الوجود أو العمل أو النشاط، هذا أيضاً موجود، ولكن بفضل الله هذه قلة محدودة، ومنهجها كفيل بالقضاء عليها.
السلفية في ألمانيا
أصبح مصطلح السلفية في ألمانيا سلبياً للغاية، هل هناك إمكان لتصحيح مفهوم السلفية في ألمانيا؟
- التصحيح ممكن، خصوصاً أن ذلك أسهل في إطار المصطلحات الألمانية، لأن هناك مصطلح Salafiten ومصطلح Salafisten، ونستخدم المصطلح الأول بمعنى السلفيين، والآخر غير موجود باللغة العربية، وأطلق عليه «السلفجية»، وفي ألمانيا توجد هذه الفئة التي أسميها السلفجية، وأصبحوا أكثر شهرة، بسبب التشدد الذي تعلموه على يد بعض المتطرفين، أما السلفيون عموماً، فالمسلمون كلهم سلفيون، لأننا نتمسّك بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، ويجب أن نميز ذلك لدى الألمان أنفسهم، ونؤكد أننا كلنا سلفيون بحكم انتمائنا للسلف، ولسنا سلفجيين، إذا كانوا يقصدون التطرف والعنف.
إعداد مناهج إسلامية للمدارس الألمانية يحتاج لحذف الآيات والأحاديث التي تتعارض مع الدستور الألماني؟
- تتطلب التربية أن ينظر الإنسان إلى المجتمع الذي يعمل فيه، فالتربية في البلاد الإسلامية يجب أن تنهج منهجاً آخر غير التربية في بلاد الأقليات، هذا لا يعني أن نغيّر القيم والأسس الموجودة في ديننا وثقافتنا وعلومنا، وإنما يجب أن ننظر إلى المجتمع وما يحتاج إليه من هذه القيم والمبادئ، وأن نترجم ما في الإسلام وما في قيمنا العربية والإسلامية من تراث ومن خير الترجمة المناسبة لهذا المجتمع، لا يمكن بحال من الأحوال أن نشوّه صورة الإسلام لكي يتماشى مع رغبات الآخرين، ولكن طبيعة المجتمع قد تتطلب أن تُترك بعض الأمور، ولا يُلفت النظر إليها في المجتمع هذا، فعدم ذكرها وعدم النظر إليها لا يعني أننا نلغيها من حسابنا، ولكن ألا تُذكر لعدم الحاجة إليها.
هل تقصد مثلاً ضرب الطفل على عدم الصلاة، والمرأة الناشز، والطاعة المطلقة لولي الأمر ولو جار، وقضية الاختلاط وعدم جواز التفكير في بعض الأمور مثل استواء الله على العرش؟ وهل ترى أن الدعوة لعدم التفكير في بعض الكتب الإسلامية مقبول؟
- الأمثلة التي ذكرتها كلها موضع أخذ ورد بين علماء المسلمين، والأصل في الإسلام الرحمة والشفقة، والتربية في الإسلام منهجها التوجيه الهادئ، الذي ينبثق من كسب قلوب الأطفال، والتربية في البيت ليس أسلوبها هو الضرب والشتم والمعاملة السيئة، وإنما أسلوبها هو حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهو لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا لعاناً ولا منتقماً لنفسه، وإنما كان في بيته كما قالت عنه السيدة عائشة، كان يكون في شأن أهله، فكان يقوم بشؤون البيت، ولم يضرب الرسول - صلى الله عليه وسلم - قط امرأة ولا طفلاً، فالأصل هو الإسلام، ويجب أن نقيس كل ما ذكر من أمثلة بمقياس الإسلام.
مناهج التربية الإسلامية
وماذا عن جهنم والتخويف في مناهج التربية الإسلامية؟
- ذكر الجنة والنار جزء أساسي في العقيدة الإسلامية، ويجب لفت النظر إليه، وربط الإنسان عموماً، وليس المسلم فقط بالآخرة، ولفت النظر إلى أن الحياة الدنيا التي نعيشها إنما هي غمضة عين، ولحظة في الكون، وبعد ذلك هناك الجزاء والعقاب، هناك الجنة والنار، وهذا يخلق الإنسان الراشد، يخلق الإنسان الصالح الذي يرجو الخير ويسعى إليه، ليس بمقاييس الدنيا فقط، وإنما.
وإن عُدِمَ جزاء عمله الصالح في الدنيا، فهو ينتظره في الآخرة، فهو رفع للإنسان إلى مستوى أرقى من مستوى مجازاة دنيوية موقتة، بل هي الجزاء الأخروي الكبير، لذلك فإن ذكر النار ضروري، وذكر الجنة ضروري، من دون أن يصبح أسلوب التربية التخويف والإرهاب، والخوف من النار والعقاب، والرعب من الله عز وجل، بل بالعكس، الشوق إلى الجنة، والشوق إلى الله عز وجل ورجاء رحمته، والتوازن بين التبشير والتخويف، وبين الجزاء والعقاب، وعدم الاكتفاء بجزء واحد سينتج الإنسان الراشد.
هل تعتقد أن وجود كرسي الملك عبدالله للدراسات الإسلامية في جامعة ألمانية، يمكن أن يسهم في إعداد الأئمة المسلمين من دون تدخل من الحكومات سواء الألمانية أم السعودية؟
- أي كرسي ينشأ في أية جامعة ملتزم بقواعد هذه الجامعة وقوانينها، وهذه القوانين تمكننا بلا شك من الاستفادة من هذه الفرصة، ولا تفرض الجامعة التوجيه العلمي لهذه الكراسي، ولا يوجد أي توجيه علمي في أية جامعة ألمانية، لأن أستاذ الكرسي له مطلق الحرية في ما يعلِّم وما يقرر وما يدرِّس، ضمن الحرية العلمية المثبتة في الدستور الألماني، فيمكن أن تنشأ كراسي من هذا النوع من قبيل ضمان تمويل هذه الكراسي للمعاهد.
وهذا التمويل لا يعني وجود توجيه خارجي بما يخالف القانون الألماني أو القواعد الجامعية، إنما هو ضمان الاستمرار المالي للكرسي أو المعهد، وبعد ذلك يجب أن يشغل الكرسي الأستاذ المناسب، الذي يستفيد من هذه الفرصة، والذي ينتمي انتماءً راسخاً للعقيدة الإسلامية، والعلوم الإسلامية، ويمكن أن يكون له اجتهاده ضمن هذه المبادئ والأسس.
أما أن يأتي بما يخالف ما اتفق عليه المسلمون، ويسمي هذا إسلاماً، ويدعي أن له الحق انطلاقاً من حريته العلمية في أن يدرِّس ما يشاء، فهذا ما سيرفضه المسلمون بلا شك.
ما رأيك في معهدي إعداد معلمي التربية الإسلامية الموجودين حالياً في جامعتي مونستر وأسنابروك، وما رأيك في القائمين عليهما؟
-الكرسيان عموماً يمثلان خطوة في الطريق السليم والصحيح، والمجلس الأعلى مشارك في مجلس الأمناء المشرف على كلا الكرسيين، لكن تحديد من يتولى الأستاذية أمر مرتبط بقواعد الجامعة. إذاً فأصل هذين الكرسيين في حد ذاته خطوة إيجابية، ونحن في بداية الطريق، ويجب ألا نيأس إذا رأينا بعض الفشل في هذه البداية، أما الأشخاص الذين يشغلون حالياً هذه الكراسي، فكل إنسان له وعليه، وهناك بعض الأمور يجب أن نلفت النظر إليها، وهي موضع نقد، والنقد له مجال آخر.
أكاديمية الملك فهد في برلين، هل تمثل فائدة للمجتمع الألماني؟
- أكاديمية الملك فهد تعتبر بطبيعتها مدرسة لأبناء الديبلوماسيين من ناحية التأسيس ومن ناحية الوجود الإداري هنا، بهذه الصفة هي تخدم العرب الديبلوماسيين المقيمين هنا لفترة محدودة، ومن هذا المنطلق يمكن أن يكون لها منهجها القائم بذاته، المعتمد على ما ترى من مناهج، أما إذا أخذت هذه الأكاديمية دور مدرسة محلية، فيجب أن تلتزم أيضاً بقواعد المدارس المحلية، وهي المدارس التي يطلق عليها في ألمانيا اسم المدارس الخاصة التي تلتزم بالمنهج الألماني، وبقواعد أساسية لا يجوز لها أن تخرج عنها، لذلك فإنه من الصعب أن تقوم الأكاديمية بدور بين الطبيعتين من دون أن تقع في مشكلات.
بالنسبة إلى الشباب السعودي الذي يأتي للدراسة في ألمانيا، ما هي نصيحتك لهم؟
- أهم شيء أن يستفيدوا من فرصة العيش هنا لأعوام عدة في هذا المجتمع، وهي فرصة لا تعوّض، فرصة يجب الاستفادة منها في دراسة اللغة الألمانية، وليست دراسة هامشية عابرة تقتصر على تمكّن الإنسان من البيع والشراء وقضاء الأمور الشخصية، لأن كسب لغة هذا رصيد بشري يجب أن يستفيد منه الإنسان، فإذا عاد إلى بلاده لا بد من أن يستمر على اتصاله بهذه اللغة، واللغة عبارة عن جسر وباب يوصل إلى حضارة، ويفتح لك أبواب ثقافة، فإذا استفاد هؤلاء من اللغة الألمانية على المستوى المطلوب، واستطاعوا أن ينهلوا من حضارة وتراث وقيم هذه البلاد، استفادوا فائدة كبيرة جداً. ثانياً: لا بد من أن يستفيدوا من وجودهم هنا في التعرف على مجتمع آخر، مجتمع مخالف لما ألفوه ومغاير لنمط حياتنا، لكنه مجتمع فيه تعددية وحرية بمقاييسهم، مجتمع ذي نمط عيش آخر، لا يجب أن ننظر إليه باعتباره خيراً كله أو شراً كله، وإنما فيه هذا وذاك، ويجب أن يؤخذ مما فيه من خير، ويترك ما فيه من شر.
الزواج المختلط
مرت عليك كثير من تجارب الزواج المختلط بين شاب مسلم وشابة مسيحية، ما هي أكبر مشكلاته، وهل له مميزات؟
- الزواج عبارة عن ارتباط، ليس جسدياً فقط، بل هو ارتباط روحي عميق جداً على مدى الأجيال، ولا يقتصر على جيل واحد، بل تبقى آثاره في الأجيال التالية للزوج والزوجة، فيجب أن تتم هذه العلاقة على المحبة والرحمة والتعاطف والتكاتف، وأن تكون هناك عناصر وقواسم مشتركة تجمع الطرفين، وأهم هذه الأمور ذكرها الرسول - صلى الله عليه وسلم-، إذ قال: «تنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك».
والسبب في ذلك أن كل القيم الثلاثة، غير الدين، زائلة، إن لم يوجد الدين، فالمال يزول، والجمال يزول، والحسب لا فائدة منه، لذلك لا بد من أن تكون هناك علاقة مشتركة، وأن يتبين الإنسان إلى أي مدى تحترم شريكة حياته دينه، إن لم تغيّر دينها، وعن استعدادها أن تربي أبناءه وأبناءها على الإسلام، وهل يوجد الانسجام داخل الأسرة، هذه أمور مهمة جداً، وإذا لم توجد.
وإذا خدع الإنسان للوهلة الأولى ببريق الجمال، فإن الجمال سيزول وتبدأ المشكلات بعد الإنجاب والعودة إلى البلاد، وكثير من هذه المشكلات مرت علينا، وعانينا منها، مع من عانى منها من المتزوجين بالاختلاط.
هل يقبل المجلس الأعلى للمسلمين والمساجد التابعة له، أن يأتي ألماني ليعلن إسلامه من أجل أن يتزوج مسلمة، من دون أي ضمانات على صدق إسلامه، وعمق قناعته؟
- وضع المجلس الأعلى والمساجد التابعة له قاعدة، وهي ألا يعقد زواجاً شرعياً من دون زواج مدني، وذلك لحفظ حقوق المرأة، لأن حقوق المرأة تضيع إذا لم يثبت الزواج مدنياً، والمؤسسات الإسلامية هنا غير قادرة على حماية هذه الحقوق، فهي ليست جهة تشريعية ولا تنفيذية ولا قضائية.
لذلك نقول الأصل أن يتم توثيق الزواج مدنياً، ثم يمكن أن يتم توثيقه شرعياً، وحكم الشرع أنه يجوز أن يتزوج المسلم النصرانية أو اليهودية وإن بقيت على دينها، وفي حال العكس، إذا أشهر الزوج إسلامه، وحام شك بأنه لم يفعل ذلك إلا ليتزوج، فإن ذلك أمر في علم الله عز وجل.
والأصل أن نأخذ الأمور بظواهرها، وننصح المرأة وننصح الأسرتين، وننصح الجميع أن الأصل في هذه الأمور القناعة الراسخة والعقيدة الثابتة، وليس الأمور الشكلية، فإن كان ذلك غير متوافر، فقد جنوا على أنفسهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.