قال رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» محمد الشريف: «إن الهيئة تمتلك معلومات عن فساد رؤوس كبيرة، إلاّ أنها لا تمتلك أي أدلة تُطيح بتلك الرؤوس». ومن الأثر «البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير»، هذا ما نطق به لسان الفطرة عند الإعرابي عندما سُئل عن دليل وجود الله؟ وتابع قائلاً: «فسماءٌ ذات أبراج، وأرضٌ ذات فجاج، ألا تدل على العليم الخبير، فسبحان الله». بالطبع هذه ليست مقارنة بين أعرابي مقبل من البادية لا يقرأ ولا يكتب، ورئيس أكبر هيئة حكومية يحمل أعلى شهادات ويتحمل أكبر مسؤولية، عندما يمتلك ذلك المسؤول تلك البلايين التي لا يمكن أن تتحقق من راتبه أو مخصصاته ولو بعد مئات السنين من العمل الدؤوب! ألا يكون ذلك دليلاً على فساده؟ عندما تَغتصب «الشُبوك» ملايين الأمتار من الأراضي البيضاء الممنوحة «مُشرعنة» ب«لوحة» مكتوب عليها «أملاك خاصة»، والمواطن لا يجد مترين يدفن بها، أليس ذلك الفساد بعينه. عندما تجتاح السيول مدننا من دون رادع لها، «تُشرِّق» و«تُغرِّب» وتُحدِث كوارث، على رغم آلاف الملايين أو البلايين من الريالات التي أُنفقت على تطويرها وحمايتها، ألا يُعد ذلك فساداً؟ وعندما نُواجه عجزاً في البنية التحتية، وقصوراً في الخدمات، وتأخيراً وسوء تنفيذ في المشاريع كافة وتضخم كلفتها، هل يحتاج ذلك إلى دليل إثبات الفساد؟ عندما يملك الموظف ما لا يملكه الغني والتاجر والوارث، عندما ينام قرير العين، بلا أدلة تخنقه وتفضحه. ولعل أمر ما يمكن أن يواجه أمة وشعب أن تقف عاجزة عن ملاحقة الفاسدين والقابضين على مصالجها، على رغم أننا نراهم ونشمهم، وأنتم ترونهم الآن رؤية العين «القصيرة» التي لا تستطيع أن تطال أيديهم وتحاسبهم، أليس ذلك قاسياً حد المرارة، إلى الحد الذي وجب فيه أن نغضب من أنفسنا ومنك. يا رئيس الهيئة الآن وبعد مرور عامين على تأسيس الهيئة، وتكليفكم بتسلم أعلى جهاز وأقوى سلطة محاسبية ورقابية، ماذا كانت النتيجة؟! أين دوركم؟ ماذا فعلتم؟ فقط تصريحات وإعلانات وتعيينات وصروحٍ عظيمة، ومبانٍ فخيمة، والفساد في ازدياد واستشرى البلاد والعباد، حسبناه زمناً قد ولىّ أو فات، لكنّه بقوة قد عاد. الفساد قد «تَرقىّ»، والفاسدون «رُقوّا»، وهيئة الفساد «تُراقب»، والعدو «يترقب»، فهل تخيب آمال الأمة وقد عقد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الآمال عليكم، لا بد من بيان الحق وردَّ الباطل، ولا تأخذكم في الله لومة لائم، لا حجة لكم وقد أطلق جلالته عنان أيديكم ب«كائنٍ من كان»، فإمّا تُحاسِب وإمّا تُحاسَب، فالتاريخ طال الزمن أم قصر لن يَغِفر أو يَغفَو. * كاتب سعودي. [email protected]