كَثُرَ الحديث كما الكتابات عنْ " الشُبُوك" بل يَكاد لا يَخلو اجتماع بين اثنين أو أكثر دون أن يُتطرق لهذا الموضوع، وإذا تَنحيت جانباً وكأنهُ لا يَعنيك تَجدهُ قسراً بين يديك مِنْ خِلال شبكات التواصل الاجتماعي، وقدْ أثبت السعوديون في هذا الأمر وغيره أنَّ روح الدُعابة وخِفة الدَمِ الَّتي تنتقدُ أحوالهم وتَسخر مِنْ واقعهم تفوق المُجتمعات الأُخرى، فَعمدوا إلى تأليف النِكات وتحريف الأبيات الشِّعرية وبِما يتناسبُ مع هُمومهم وأحزانهم - فكتبَ أحدُهم -على سبيل المثال-: "الشَّبكُ مدرسةٌ إذا أوجدتهُ..... أوجدتَ شعباً خاليَ الإسكانِ"، وقال آخر "وما نيلُ الأراضي بالصكوكِ.... ولكن تُؤخذُ الأراضي شُبوكا" وقال ثالث "الشَّبكُ أصدقُ أنباءٍ مِنَ المِنحِ.... في نصبهِ الحد بين الجدِ واللعبِ"، كما فسَّر رابعٌ مَعنى كلمة "الشَّبك" بحسبِ القاموسِ السعودي: (السِّياجُ الذي يُحيطُ بقطعةِ أرضٍ ضخمةٍ تَحملُ لوحةٌ مكتوباً عليها" ممنوع الاقتراب – أملاك خاصة") ويُعزِّي البعض إرتفاع أسعار العقار وتَعذُّر حُصول المُواطن على قطعةِ أرضٍ إلى "الشُّبوكِ" التي تَحتجزُ خلفها المساحات الشاسعة مِنْ الأراضي البيضاء. عموماً" الشُّبوك "ليست بِدعة هذا الزمان أو خاصة ببلادنا فالتاريخ الإسلامي حافلٌ بروايات وقصصٍ تُكرِّس مُمارسات الطمع الذي يَصلُ إلى حد اقتطاع أراضي المُسلمين بالباطلِ إلى كل أشكال الفساد وصوره، ولمَّا وُلِّيَ الخليفة الراشد عُمَرْ بن الخطاب رضي الله عنه قال لبلال بن الحارث المزني: إنك استقطعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أرضاً طويلةً عريضةً فقطعها لك، وإنَّ رسول الله عليه السلام لم يَكنْ يمنعُ شيئاً يسأله، وأنتَ لا تُطيق ما في يديك، فقال: أجل، فقال: فأنظر ما قويت عليه منها فأمسكهُ وما لمْ تُطقْ وما لمْ تُقو عليهِ فأدفعه إلينا نُقَسِّمْهُ بين المسلمين، فقال: لا أفعل والله شيئاً أقطعنيه رسول الله، فقال عُمَرْ: والله لتفعلنْ، فأخذ منه ما عجِز عنْ عِمارتِه فقسَّمه بين المسلمين، لله درك يا عُمَرْ، وبعد توسع الفتوحات الإسلامية والتي ضمت العراق والشام أراد البعض أنْ يَقْتَسِم الأراضي في تلك البلاد غنيمةً بينهم ويكونُ لكلٍ منهم نصيبه مِنها مع منْ عليها مِنَ السُّكان، فيبقى السُّكان أرِّقاء مُلحقين بالأرضِ يُباعون معها وينتقلون بانتقالها، فقال عُمَرْ: فكيف بمن يأتي بعدكم مِنَ المسلمين فيجدون الأرض قد أُقتسمت بمن عليها وحُيِّزت إرثاً على الآباء؟ وماذا يكونُ للذُّرية ما هذا برأي؟ لله درك يا عُمَرْ، كما كتب إلى سعد بن أبي وقاص حين فتح السواد، أما بعد: فقد بلغني كتابك تذكُر أن الناس سألوكَ أنْ تُقسِّم بينهم ما أفاء اللهُ عليهم، فإذا أتاك كتابي فأنظر ما أجلبَ عليه أهلُ العسكرِ بخيلهم وركابهم منْ مالٍ أو كراعٍ فأقسمهُ بينهم بعد الخُمْس، وأترك الأرض والأنهار لعمُّالِها ليكون ذلك في أُعطيات المسلمين، فإنك إنْ قسمتها بين منْ حضر لم يكنْ لمنْ يبقى بعدهُم شيء، لله درك يا عُمَرْ بهذا التصرف الحكيم والحازم، عُمر الذي مسحَ الأرضَ ودَوَّنَ الدُواوين ووضع أصول الجباية، وأسَّس القواعد المالية ورقَّم الداخل إلى بيت المال والخارج منهُ فلم يَجرُأ منْ جاء بعدهُ على مُخالفتها، فحافظ للهَ دَرُّهُ على ثرواتِ الأمة وأدَّخر لمن يأتي بعدهم من الأجيال اللاحقة. [email protected]