تكاد الأفراح الشعبية تختفي من الحارات المصرية بشكل كامل. وكما في كثير من بلدان العالم العربي، صارت الأسر تتعاقد مع قاعة أفراح و مهندس صوت اصطلح على تسميته بال «دي جي» لإحياء الفرح. ويسمي أهل الحارات الشعبية الأفراح ب«الواجب» أو «الليلة الحلوة»، إذ يقال مثلاً: «عايزين نعمل واجب مع العريس ونعمله ليلة حلوة الشارع يحكي عنها». لكن ال«دي جي» سحب البساط من سوق الفرق الشعبية القديمة، التي كانت تتولى تلك إحياء تلك الليلة. يقول عضو ما كان يسمى «فرقة محمد منصور» رضا زغلول، وكان أحد منظمي الأفراح الشعبية في منطقة كرموز بالإسكندرية: «منصور كانت له طقوس ميزته، كان يبدأ يومه في الثامنة صباحاً، يفتح محل الآلات الشعبية الذي يمتلكه، يرفع علم مصر، ثم يعزف السلام الجمهوري المصري وحده ليوقظ به النيام». وتكونت الفرقة من عشرة أشخاص وكان فيها عازفو أورغ وإيقاعات وأكورديون وجاز، وفق زغلول الذي يضيف: «كنا نبدأ عملنا بتخت العوالم، وهو الدرجة الأولى من العزف، ينضم إلينا فيه المسؤول عن العزف بالرق وهي آلة مزيج بين الدف والطبلة، ويتكون التخت من طبال ودهلجي، وهو شخص يضرب على طبلة كبيرة». وكان الفرح الشعبي يستدعي الحصول على تصريح من شرطة المرافق المختصة بإشغالات الطريق، وهو تصريح غالباً ما كان يعطي آلياً، فيما كانت غالبية الأفراح تنتشر فيها المخدرات ومشتقاتها، كما يقول أحد منظمي الأفراح السابقين طلب عدم نشر إسمه. وتخصص أحمد البطل، وهو مطرب شعبي في العقد السابع من عمره الآن، في منطقة كوم الدكة وسط الإسكندرية، لثلاثة عقود، في غناء الأفراح الشعبية. ويذكر أنه كان يؤدي ثلاثين أغنية شعبية من تراث سيد درويش. ويتذكر عناوين أغناني أداها في الأفراح: «والله وحشتونا وطال الشوق بينا»، «يا رمّال اضربلي و قولي كثير»، «حلواني حلاوته حلوة الحلواني كبش وعطاني الحلواني»، «يالا افرحوا زرغتوا يا بنات لجل العريس فرقوا شربات»، «يا عريسنا مبروك مبروك احنا جينالك لجل نزفوك»، وغيرها. ولأحمد البطل علاقة شهيرة بكوم الدكة، الحي الذي عاش فيه درويش، ليس فقط كمطرب لتراث سيد درويش مثل «دور الصهبجية» و«مليحة جوي القلل الجناوي»، بل أيضاً لأن له أغنية تحمل إسم الحي («كوم الدكة حينا والفن كله من عندنا») واتخذتها جمعية «إسكندريلا» التي تنظم احتفالية ميلاد سيد درويش، عنواناً لها. وللبطل أغان أخرى مثل «بلدي يا بلدي يا إسكندرية فيكي المحاسن والفن غيه»، وما من فرح في المدينة الساحلية المصرية لا يعرف اسم أحمد البطل الذي كانت حفلته تمتد من الثامنة مساء حتى الساعة الثانية أو الثالثة صباحاً ويتقاضى عنها مبلغاً لا يزيد عن 200 جنيه. «من النادر أن يطلبك أحد الآن في فرح بعد أن تسبب الدي جي فى قطع أرزاقنا، فهذا زمن الهلس والأغاني السريعة»، يقول البطل بكثير من الأسى.