«يرن جرس» الحصة الأخيرة في المدرسة، ويقفل الطلاب حقائبهم بسرعة خاطفة وكأنهم يسابقون الزمن، يخرجون من صفوفهم ويتزاحمون كعادتهم على السلم، ويصدع المكان بضحكاتهم، يسابق كل واحد الآخر للخروج من بوابة المدرسة وانتظار سياراتهم. عادة ما نشاهد طلاب المراحل الابتدائية ينتظرون أسرهم أمام باب المدرسة، وبعضهم يعبر مسرعاً للجهة الأخرى وسط الشارع، وكأنه يتسابق مع الريح، ليثبت أنه أسرع طالب! فيما يظل بقية الطلاب يلعبون بالأتربة، ويمزقون أوراق الأشجار، وربما يشتمون المارة ويهددونهم بحجارة في يدهم، ويتصرفون بطرق سلبية، غير مدركين حجم الأخطار التي ستحدث لهم وتؤذيهم، ومع ذلك لا يفكر سعود (10 أعوام)، حينما يخرج من المدرسة وينتظر والده أمام الباب، بالتحرك لأي مكان، على رغم المغريات التي تأتيه من أصدقائه لتناول بعض المشروبات الغازية والإيسكريم في «البقالة» بالجهة الأخرى من المدرسة، يقول: «دائماً يطلب مني أصدقائي جمع النقود من بقية الطلاب، وأذهب مع أحدهم للبقالة التي تقع في الشارع الآخر، وهنا سأقوم بقطع الشارع لصالح بقية الطلاب الجالسين أمام المدرسة، فاضطررت للجلوس بعيداً منهم، ورفضت الفكرة، وتحولت من صديق إلى عدو، ومع ذلك لن أقوم بمساعدتهم، وأعرض نفسي لأي خطر». لم يراعِ خالد (7 أعوام) بالصف الأول أي اهتمام للعواقب، فهو ينتظر على رصيف باب المدرسة من الجهة الجنوبية بعيداً من البوابة منتظراً سيارة السائق التي تتأخر في بعض الأحيان، «السائق يأتيني متأخراً لأنه ينقل شقيقتي قبلاً مني، وأسلي نفسي باللعب في التراب على هذا الرصيف، حتى لو كنت بعيداً من بوابة المدرسة، ولكن السائق يعرف مكاني!». يواجه عبدالرحمن الكثير من المخاطر فهو لا ينتظر سيارة أسرته، ولكنه يعود للمنزل مشياً على الأقدام، ويقطع «برجليه» الصغيرتين حاملاً حقيبة ثقيلة على ظهره، بعد أن يمكث مع أصدقائه أمام المدرسة، حتى ذهبوا غير مدرك الأخطار، يقول: «لا أحد يهتم حينما نخرج، لذلك لا أذهب للمنزل إلا حينما تأتي سيارات أصدقائي ويعودوا لمنازلهم، وقد طلبنا أن يفتح لنا الملعب الرياضي حتى نلعب في الطلعة ووعدونا ونحن ننتظر». من جانب آخر قال المشرف التربوي بابتدائية الإمام البخاري عبدالله الشهري إن طلاب المرحلة الابتدائية هم أشد حاجة لاهتمام ورعاية أكثر من المرحلتين المتوسطة والثانوية، فكل مدير مدرسة مع بداية العام يضع جدولاً لكل معلم مناوب يومياً لمتابعة خروج الطلاب، ويضيف: «إن أسباب خروج الطلاب خارج المدرسة والوقوف أمامها تتعلق بالمدرسة وولي الأمر، وأسباب تتحملها إدارة التعليم، فالمدرسة لا تقوم بتنبيه أو تذكير المعلم المناوب، بحيث يبقى مع الطلاب، والأسرة تهمل في الحضور لأخذ أبنائها، ربما لظرف أو لبعد المكان، وإدارة التعليم لا توفر مدرسة ابتدائية في الحي نفسه الذي يسكن فيه الطالب».