على جميع الأوراق السورية الرسمية للفرد تشير خانة الجنسية إلى: «عربي سوري»، وفي الحالات الشفهية فغالباً ما تكون الإجابة عن سؤال الجنسية: سوري، حتى من السوريين العرب. أما بُعيد الثورة السورية فالأكراد فقط من كل ملونات السوريين الكثيرة يستخدمون عبارة: «أنا كوردي سوري» بعكس كل التلوينات الأخرى المبتدئة ب: «أنا سوري»، يوضح الاختزال «أنا كوردي سوري» اشتعال الحلم القومي الكردي بقوة أكبر مما قبل الثورة السورية، وذلك ليس خطأ بحد ذاته، لو لم ينعكس الآن على الأرض في ظل الأحداث المؤلمة في سري كانيه/ رأس العين. بين الأوساط الكردية تكاد الغالبية تجمع على عدم دخول النزاع المسلح إلى هذه المدينة التي يدعي معظمهم أنها محررة أصلاً من النظام الأسدي، ويدعي حزب الاتحاد الديموقراطي بقيادة صالح مسلم أنه مع الثورة السورية وضد النظام الذي اضطهد الأكراد طويلاً، وفي بعض الأحيان يصف الحزب نفسه بالحياد بين السلطة الديكتاتورية والثورة (العروبية/ الإسلامية)، بل يزايد على الثوار السوريين بأنه هو من نظم التظاهرات في المناطق الكردية الطابع كمثل عامودا والقامشلي وغيرهما، مع أن المعروف لدى جمهور المتظاهرين ومنذ بداية الاحتجاجات أن الأكراد السوريين كغيرهم من بقية المكونات انقسموا إلى ثلاثة أقسام: مع الثورة، وضدها، والقسم الصامت بانتظار ما ستؤول إليه الأمور. وهذا الأخير تضاءل مع الأحداث الأخيرة ليعلن أن «لون الثورة الإسلامي» طغى على قواها الأخرى، وهذا ما لا يتناسب مع طموحات الأكراد «العلمانيين» في شكل عام. يرتبط هذا الحزب بحزب العمال الكردستاني ارتباطاً عضوياً، ويتحالف في شكل مريب مع هيئة التنسيق التي تدعي «عقلنة الثورة»، وتنتقد عسكرتها، بينما تتحالف مع حزب مسلح بإشراف النظام أو معرفته على الأقل، بل إنه تعاون مع النظام في شكل وثيق بأشكال متنوعة ضمن صفقات غير معلنة، لا يخفى أن أسبابها الخارجية هي انقلاب تركيا الأردوغانية على صداقتها العميقة مع سورية الأسدية. ومظاهر هذا التعاون مع النظام ابتدأ منذ اغتيال السياسي الكردي مشعل تمو في ملابسات ليست عصية على الاستنتاج في غياب أو تغييب للحقيقة، ولم ينتهِ بتشكيل «لجان شعبية» تتعاون مع النظام في منع التظاهرات وقمعها في أحياء حلب ومدينة عفرين ومناطقها على سبيل المثل لا الحصر، مقابل الإشراف الكامل على تظاهراته التي سمح لها النظام برفع العلم الكردستاني، بعد طول عقود وهو الذي قمع حتى الاحتفالات بعيد النوروز للأكراد، وهذه اللجان الشعبية قامت بنصب الحواجز المسلحة، تماماً كحواجز الجهات العسكرية لقوات الأمن والجيش والشبيحة في أماكن كثيرة، وهي من سلم للنظام عشرات النشطاء من الكرد أنفسهم ليس آخرهم الناشط الشاب في الإغاثة والإسعافات كمال أحمد في حلب، والذي ما زال مصيره مجهولاً في أقبية الاستخبارات السورية الوحشية! من هذا المنطلق يتراءى للمزاج الثوري لدى غالبية مناهضي النظام السوري أن الكورد كغيرهم من السوريين، لهم ما للثورة، وعليهم ما عليها، غير أن أصوات الاحتجاجات التي تعلو حيناً بعد حين بعد أحداث سري كانيه/ رأس العين تبدو وكأن ادعاء تحريرها من قوات النظام بأشكالها، تبدو كما لو أنها قد «تحررت كردستانياً»، وبما يتناسب مع طموحات الأمن والاستخبارات، وليس الثورة، على أنها وللمقاربة سورياً تشبه قليلاً بدايات انغماس حلب في الثورة بعد طول انتظار لبقية المناطق، حيث تعالت أصوات الاحتجاجات على دخول المدينة آنذاك من الأصوات ذاتها التي كانت تهلل وتصفق لتضحيات الثورة السورية في حمص وإدلب ودرعا ودير الزور وحماة! وما لبث أهالي حلب أن وعوا بأنهم جزء سوري لا يضيره أن يكون المقاتلون فيها من السويداء، أو من إدلب، أو غيرهما، فهذا هو التمثيل الحقيقي لمعاني الوحدة الوطنية. في ظل هذه الأحداث المؤسفة أُثيرت تساؤلات مستنكرة، وباستهجان عالي النبرة، بل وتخويني أيضاً من شاكلة: لماذا لا يذهب الثوار إلى دمشق مباشرة ليحرروها من النظام الذي يناهضون؟ وهل الطريق إلى دمشق يمر عبر رأس العين؟ وقد شابهت تلك النبرة أيضاً نبرة أحياء الشيخ مقصود والأشرفية في حلب في ما سبق. على أن ذلك لا يعني مطلقاً شرعنة الصراع بين الثوار والأكراد في رأس العين أو غيرها إن كان الطرفان متفقين على إسقاط النظام بما هو عليه الأمر، و كما وصل إليه، ولو أن الطرفين وضّحا ملابسات الخلاف جميعها، ليتشارك الجميع بمسؤولية وطنية تجاه الحل، والسعي لتوحيد الجهود إلى غاياتها، وغير ذلك سوف تترك للإشاعات والفبركات أن تشق الصفوف ما يجعل لعاب النظام يسيل للذة المشهد... ليعترف الجميع، عرباً وكرداً، بأن الخلافات عميقة ومتجذرة، وعلينا معاً أن نجد لها حلولاً ثقافية وسياسية بعيدة المدى، لا تتسع لها رقعة الثورة السورية ضد نظامه، ودعونا نلملم جراحاتنا جميعاً من أجل الثورة التي تحتاج إلى كل الجهود السورية إن كانت كذلك حقاً، أما إذا كانت الثورة الكردية ثورة خاصة بها فعلى كل الكورد بكل أحزابهم وقواهم على الأرض السورية التوضيح والتعبير عن طموحاتهم وهواجسهم بكل شفافية ووضوح، فالمفترض أن الثورة على الاستبداد الغاشم سورية قبل أن يكون لها أي لون آخر. السوريون الثائرون اليوم هم واقعياً سوريو «سايكس بيكو» وليسوا سوريي أنطون سعادة، وليست سورية (العروبة البعثية) التي تحدها من الشمال جبال طوروس بمدنها، و كان الاستعمار قد منحها للأتراك قبل أن يوقع الأسد على التخلي عن لواء إسكندرون قبل الثورة، بعد أن جفف أبوه منابع الأنهار التي كانت تغذي أراضي الجزيرة السورية، من الخابور والبليخ إلى الفرات في صراعه على نفوذه الإقليمي مع الأتراك. * كاتب سوري