لا يرفض طبيب في المبدأ فرصة التطوع، فهي فرصة إنسانية تجسد فلسفة الطب في تخفيف المعاناة عن الآخرين . هذه الفلسفة يتبناها بدر العمري (طبيب مبتعث)، وتشاركه الرأي ديمة العتيق التي تتخصص في الطب النفسي حاليا، مؤكدة أن «التطوع يضيف للطبيب ويصقل خبراته، ولكنه يحتاج إلى تنظيم، فالأطباء وطلاب الطب في سباق مع الوقت وحين نتوجه للعمل التطوعي يجب أن لا تضيع جهودنا في البحث عن داعمين من شركات وبنوك محلية تؤخر تحقيق أهدافنا، خصوصا أن الداعمين يهمهم بالدرجة الأولى الدعاية والإعلان. شاركت العتيق والعمري في العديد من الأعمال التطوعية أثناء دراسة الطب بالرياض عبر «نادي حياة» التطوعي بجامعة الملك سعود، من خلال إقامة حملات التوعية بأمراض السكري والتوحد والتبرع بالأعضاء، والتطوع في مواسم الحج والعمرة لخدمة الحجاج والمعتمرين في المسجد الحرام والمسجد النبوي مع هيئة الهلال الأحمر السعودي . وشارك العمري ومجموعات طلابية أخرى مع الدفاع المدني في مخيمات الإيواء في جازان خلال حرب الحدود الجنوبية عام 2010. وضمن نطاق تخصصها شكلت العتيق مع مجموعات طلابية جماعات توعية ولمدة ثلاث سنوات خاصة بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب، وبدأ أخيراً تأسيس مجموعات دعم خاصة بهذا المرض، وتتمنى أن يتحقق مشروع «تمكين»، وهو برنامج للدعم النفسي لطلاب الجامعات تحت إشراف كرسي أبحاث الصحة النفسية، وبدأت تشارك فيه أقسام الطب النفسي في العديد من الجامعات. يشير العمري إلى أن الظروف في المملكة غير مهيأة ومتاحة للأطباء المدنيين لتقديم خدمات التطوع رغم وجود الكثير من المظلات الرسمية في العالم العربي مثل «أطباء عبر القارات»، و»أطباء الفقراء» و»أطباء بلا حدود»، موضحا أن السبب يرجع إلى ضعف وسائل التواصل والاتصال مع هذه المنظمات... وأوضح أن البيروقراطية الإدارية تعيق التطوع ،رغم سعي جامعة الملك سعود الى تقديم الكثير من التسهيلات، إضافة إلى غياب مفهوم التطوع الطبي الحقيقي لدى المتطوع نفسه، فبعض المتطوعين يظن أحيانا انه في رحلة سياحية، وبعض الجهات الرسمية ترى أن المتطوع أجير ينبغي إنهاكه، فعدم تبني العمل المؤسسي للأعمال التطوعية هو العائق لاستمرارية العمل وحماية المتطوع من الاستغلال وتحقيق الأهداف المحددة وتوثيق المنجزات. ومن خلال تواجده حالياً في كندا تحت مظلة الكلية الملكية للأطباء، يجد العمري العديد من الفرص المتاحة للتطوع، فثقافة هذه المؤسسات تتيح للجميع المشاركة بدءا من البازارات الخيرية والتي تقام فيها الحفلات الموسيقية وكل العازفين فيها من الأطباء والكوادر الصحية، ومنها تنطلق العيادات المتنقلة للمقاطعات الصغيرة والبعيدة ،كما أن الجامعات تقدم تسهيلات مثل عدم احتساب أيام التطوع كأيام غياب عن العمل تقتطع من الإجازة الرسمية للطبيب، وهذا يدعم الرغبة في الأعمال التطوعية ويجعل المتطوع يشعر بأمان وظيفي أكبر يدعم عطاءه. وقال الطبيب المبتعث نواف الشهوان أن حيز الرغبة في العمل التطوعي موجود وخاصة حين نسمع عن أزمات وكوارث تواجه بعض الدول، ولكن ما يمنعني الآن من القيام بذلك أنني لا زلت في مرحلة تأسيس وتدريب، وحين أُقدم على هذه الخطوة يجب أن أكون مؤهلاً، وإلا سأكون عالة على فريق التطوع وهذا أمر لا ينبغي التسرع فيه قبل اكتساب الخبرات اللازمة، وأشار إلى أنه ورفاق كلية الطب ومن خلال «نادي حياة» للتطوع سبق أن شاركوا في إقامة حملات للتوعية والتثقيف وفي أعمال الإغاثة وإيصال المعونات أبان فيضانات الأمطار في جدة بالتعاون مع غرفة جدة التجارية وكانت بدعم من مدير الجامعة حينها. ويرى الشهوان الذي يعمل ويتدرب حاليا في مونتريال أن كثير من الأطباء يتطوعون للعمل فترات في أمريكا الجنوبية وأفريقيا، عبر منظمات دولية تدعم أداوراهم ، مشيرا إلى أن هيئة الإغاثة الإسلامية كانت تقدم الدعم في المملكة لمجموعات من أطباء العالم الإسلامي لتقديم خدمات إغاثة ورعاية صحية في دول إفريقيا ،وذكر سلام نصر الله أن دافع التطوع يختلف من طبيب لآخر، فالبعض يحرص على الأمر لأنه سيضاف في سيرته الذاتية فقط ،أو أن يكون إيمانا منه بقضية ما فينخرط فيها متطوعا ، ويرى أن أهم ما يعيق التطوع عدم وجود مؤسسات تنظم وتتبنى العمل التطوعي، بحيث يمنح الأطباء وقتهم وخبراتهم المعرفية للانتفاع بها. وأيدت الدكتورة سعاد لنجاوي العمل التطوعي المؤسسي حيث أنه يقضي على الروتين ويجعل الأمر أكثر تنظيما ويسهل للمتطوعين أداء مهامهم بشكل سليم ، وأعربت عن أسفها لعدم ايلاء هذه القضية أهمية كبرى ، بينما في العالم المتطور يقدم المتطوع برنامجه وساعات العمل المتاحة له وتتم جدولتها ولا مجال للأخطاء أو التهاون، وتمنت لنجاوي أن تعمل الجامعات الكبرى على تأسيس جمعيات تطوعية ذات نفع عام.