تضاربت الآراء السياسية في الأسباب التي أملت على رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري دعوة اللجان النيابية المشتركة إلى الاجتماع بعد غد الأربعاء، أي في اليوم التالي لتسلمه تقرير اللجنة الفرعية لدرس مشاريع قوانين الانتخاب التي شهدت على هامش جلستها الأخيرة اشتباكاً سياسياً بين ممثل تيار «المستقبل» النائب أحمد فتفت وبين ممثل «تكتل الإصلاح والتغيير» النائب آلان عون، مع أن معظم الأعضاء في اللجنة استغربوا ما صدر عن الأخير واعتبروا أنه لا يمت بصلة إلى الأجواء الإيجابية التي شهدتها، خصوصاً لجهة فتح الباب أمام إمكان البحث في قواسم مشتركة من شأنها أن تجمع بين النظامين النسبي والأكثري من دون الدخول في تقسيم الدوائر الانتخابية ولا في كيفية توزيع النسب على النظامين. وعلى رغم أن الرئيس بري تحاشى حتى الآن في دعوته اللجان النيابية المشتركة إلى الاجتماع برئاسة نائبه فريد مكاري، في حال قرر العودة إلى بيروت، الحديث عن حضور الوزراء أو من ينوب عنهم، رغبة منه في اختبار الموقف النهائي لقوى 14 آذار التي كانت توافقت على تعليق حضورها لأي نشاط نيابي تحضره الحكومة انسجاماً مع قرارها مقاطعتها على خلفية مطالبتها برحيلها وتشكيل حكومة حيادية تشرف على إجراء الانتخابات النيابية في حزيران (يونيو) المقبل، فإن تيار «المستقبل» استبق انعقاد اجتماع اللجان بتأكيد عدم حضوره إذا ما دعيت الحكومة للمشاركة فيه. وفي هذا السياق، علمت «الحياة» من مصادر نيابية أن النظام يقتضي حضور الوزراء المعنيين بالتحضير لإجراء الانتخابات أو من ينوب عنهم لهذه المهمة، لكن الرئيس بري يتحاشى حتى الساعة إقحام البرلمان في انقسام سياسي حاد، إلا إذا وافقت الكتل النيابية الرئيسة على أن يقتصر الحضور على وزير الداخلية والبلديات مروان شربل أو من ينتدبه باعتبار أنه لا يشكل «استفزازاً» لقوى 14 آذار. التمديد للجنة الفرعية وقالت مصادر نيابية إن بري دعا لجان الإدارة والعدل والأمن والدفاع والخارجية والمالية للاجتماع لتقويم التقرير الذي سيتسلمه غداً من رئيس اللجنة الفرعية النائب روبير غانم مع أنه يميل إلى التمديد لهذه اللجنة لعلها تتوصل إلى قواسم مشتركة حول أي نظام انتخابي يمكن اعتماده لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، إضافة إلى تقسيم الدوائر الانتخابية، على أن تتولى اللجان المشتركة في اجتماعاتها مناقشة البنود الأخرى الواردة في المشروع الذي أحالته الحكومة إلى البرلمان والقائم على اعتماد النظام النسبي، لا سيما أن هذه النقاط لن تكون موضع اختلاف. ولفتت المصادر نفسها إلى أن الرئيس بري لا يريد أن يأخذ على عاتقه التمديد للجنة الفرعية التي انبثقت من الاجتماع المشترك للجان النيابية، ويعود لهذه اللجان القرار النهائي في هذا الخصوص. وأكدت أن رئيس المجلس لن يتزحزح عن موقفه: دعوة الهيئة العامة في البرلمان إلى جلسة نيابية للبحث في قانون الانتخاب في حال تأكد من عدم وجود انقسام عمودي بين الكتل النيابية قد يدفع ببعض المكونات الرئيسة في البرلمان إلى الغياب عنها. وإذ أجمعت المصادر على أن بري لم يكن مرتاحاً إلى الأجواء التي سادت الجلسة الأخيرة للجنة الفرعية، قالت في المقابل إنه يسعى إلى كسب الوقت لعله يستفيد منه في ابتداع خلطة انتخابية تجمع بين النظامين النسبي والأكثري وتمهد لانتخاب أول مجلس شيوخ على أساس طائفي تترك له مهمة البت في القضايا المصيرية على أن يتشكل مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وهذا ما طرحه ممثل كتلة «التنمية والتحرير» في اللجنة الفرعية النائب علي بزي على أن ينتخب أعضاء البرلمان مناصفة على أساس النظامين الأكثري والنسبي من دون المس بمبدأ المناصفة. وقالت إن بري يستأخر إنضاج ما في جعبته من أفكار لبلورة ما طرحه النائب بزي ريثما ينتهي من إجراء مشاورات مع الكتل النيابية وهو ينتظر الآن الجواب النهائي من رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط. موقف جنبلاط لكن مصادر نيابية أخرى أكدت ل «الحياة» أن جنبلاط أبلغ موقفه إلى بري قبل أن يتوجه إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اليوم في قصر الإليزيه، وعزت السبب إلى أن رئيس الحزب النقدمي الاشتراكي ارتأى تحديد موقفه من مشاريع الانتخاب المطروحة لئلا يذهب البعض إلى القول إن ما سيطرحه لاحقاً جاء تحت تأثير محادثاته مع كبار المسؤولين الفرنسيين. وكشفت أن ممثل «جبهة النضال الوطني» في اللجنة الفرعية النائب أكرم شهيب تقدم بمجموعة من الأفكار تعكس موقف جنبلاط الذي يبدي مرونة لجهة انفتاحه على صيغة مختلطة لقانون الانتخاب تنطلق من ترجيح كفة النظام الأكثري على النسبي مع أنه كان سجّل تحفظه عن الأخير من خلال وزرائه في الحكومة. وتابعت أن شهيب وافق على أن ينتخب 70 في المئة من النواب على أساس الأكثري في مقابل انتخاب 30 في المئة منهم وفق النظام النسبي. وقالت إنه مع الإسراع في انتخاب مجلس شيوخ قبل إلغاء الطائفية في البرلمان على أن يشكل صمام الأمان لجميع الطوائف والمذاهب في لبنان من خلال توليه مهمة البت في القضايا المصيرية الواردة في مقدمة الدستور. موقف «المستقبل» أما في شأن موقف تيار «المستقبل» الذي يربط حضوره اجتماع اللجان المشتركة بعدم مشاركة أي ممثل للحكومة فيه، فعلمت «الحياة» أن موقفه نهائي وأن لا عودة عنه مهما كلف الأمر، وأنه يجري حالياً جولة مشاورات واسعة مع حلفائه حزبي «الكتائب» و «القوات» والنواب والشخصيات المستقلين في قوى 14 آذار بغية التفاهم على موقف موحد، خصوصاً أن هناك من يراهن على إمكان عدم التوافق على موقف موحد. ورأت مصادر في المعارضة أنه يمكن التأسيس على الأفكار التي طرحها النائب شهيب بالنيابة عن جنبلاط، وقالت إن النواب المستقلين في 14 آذار يؤيدون مثل هذا الطرح وإن «المستقبل» بدأ يبدي مرونة في انفتاحه على أي مشروع يدمج بين النظامين النسبي والأكثري شرط أن تكون فيه الأرجحية للأخير وإنما بعد الاتفاق على تقسيم الدوائر الانتخابية. «الكتائب» و «القوات» وأوضحت أن حزبي «الكتائب» و «القوات»، وإن كانا لا يزالان يدافعان عن مشروع اللقاء الأرثوذكسي ويطالبان بمشروع بديل فإن ممثليهما في اللجنة الفرعية سامي الجميل وجورج عدوان أبديا مرونة شرط أن يؤمن البديل تحقيق التوازن في التمثيل النيابي ويعطي الأولوية لفاعلية الصوت المسيحي في الانتخابات. وأضافت المصادر أن موقف «المستقبل» نهائي بعدم حضور اجتماع اللجان المشتركة في حال دعي عدد من الوزراء للمشاركة فيه، لكنها تنتظر المشاورات الجارية حالياً لعلها تؤدي إلى توحيد الموقف داخل قوى 14 آذار، إلا إذا جاء الإنقاذ من بري بحصر جدول الأعمال في تقويم اجتماعات اللجنة الفرعية استعراض الخطوات الآيلة إلى تفعيل اجتماعاتها بعد الانتكاسة التي أصابتها أخيراً بسبب موقف النائب عون الذي لم يتضامن معه سوى ممثل «حزب الله» النائب علي فياض. ملاحظات على اجتماع اللجان لكن تريث 14 آذار في تحديد موقفها لم يمنع مصادر في «المستقبل» من السؤال عن الأسباب التي أملت على بري حصر الاجتماع بلجان الخارجية والعدل والمال والدفاع والأمن واستثناء لجنتي الاتصالات والإعلام وحقوق الإنسان منه، خصوصاً أن في مشروع القانون الذي أعدته الحكومة بنوداً عدة تعود للجنة الاتصالات صلاحية النظر فيها إضافة إلى «الكوتا النسائية» التي تستدعي الاستماع إلى موقف لجنة حقوق الإنسان. وسألت المصادر ما إذا كان هناك من موجب للإسراع في دعوة اللجان المشتركة إلى الاجتماع، مع أن بري يرغب في أن تتخذ القرار الرامي إلى تمديد عمل اللجنة الفرعية؟ كما سألت ما إذا كانت هناك من علاقة بين الدعوة إلى الاجتماع والموقف الأخير للأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي جدد فيه الدعوة إلى تشكيل هيئة تأسيسية؟ إعادة النظر في النظام السياسي مع أن المواقف الأولية تتضارب في احتمال ربط الدعوة إلى اجتماع اللجان بموقف السيد نصرالله، فإن مصادر نيابية مواكبة رأت في موقف الأخير محاولة لقطع الطريق على رئيس المجلس في سعيه لابتداع «خلطة» انتخابية بين النظامين الأكثري والنسبي وتدفع في اتجاه انتخاب مجلس الشيوخ الذي نص عليه اتفاق الطائف. ولفتت هذه المصادر إلى أنها، وإن كانت لا تحاكم «حزب الله» على النيات، فإن من حقها أن تسأل لماذا يصرّ الحزب على تغييب أي موقف من اتفاق الطائف وهل دعوة السيد نصرالله إلى تشكيل هيئة تأسيسية تنبثق من المجلس النيابي الجديد تكمن في رغبته في إعادة إنتاج نظام سياسي جديد وما هي طبيعته طالما أنه لم يأتِ على ذكر «الطائف»؟ وقالت إن السيد نصرالله تجنب أي حديث عن نظام انتخاب مختلط يجمع بين الأكثري والنسبي في مقابل تأييده مشروعَ الحكومة على رغم أن الحزب يؤيد إجراء الانتخابات على أساس النسبي إنما بجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، إضافة إلى أنه سحب تحفظه عن المشروع الأرثوذكسي بذريعة أن الأطراف المسيحيين يجمعون على تأييده. لكن المصادر سألت ما إذا كان رئيس «تكتل الإصلاح والتغيير» العماد ميشال عون يدعم التمديد للجنة الفرعية بعدما سارع آلان عون إلى نعيها وهل يؤيده «حزب الله» في موقفه وبالتالي أين سيقف بري من إنهاء مهمتها؟ واعتبرت أن الموقف النهائي لقوى 8 آذار من التمديد للجنة سيتقرر في الساعات المقبلة في اجتماع تعقده الكتل الرئيسة في الأكثرية، فيما شددت المصادر على أن موقف رئيس الجمهورية ميشال سليمان من أي قانون انتخاب واضح من خلال تبنيه مشروع الحكومة، وأن أي تعديل يطرأ عليه يجب أن تكون قاعدته اعتماد النظام النسبي. إلا أن المصادر المواكبة سألت عن مصير الانتخابات وهل ستجرى في موعدها وكيف في حال استمرار القطيعة بين «المستقبل» و «حزب الله» ومن أين يؤتى بالتفاهم على مستقبل النظام كمعبر لا بد منه لضمان إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري لأن الاتفاق السياسي يجب أن يسبق العملية الانتخابية. ناهيك بأن التأخر في إقرار قانون جديد يرفع من منسوب الخوف على إجراء الانتخابات في ضوء الاضطرار إلى تعليقها بذريعة أن هناك عوائق تقنية تستدعي التأجيل إلى مطلع الخريف المقبل. لكن، من يأخذ مثل هذا القرار على عاتقه في ضوء إصرار المجتمع الدولي على إتمامها، وهذا ما يؤكده الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبللي في لقاءاته مع أركان الدولة والقيادات السياسية؟ وينقل عن بلامبللي قوله إن هناك ضرورة لإقرار قانون جديد وهذا من مسؤولية الأطراف المعنيين، لكن، من وجهة النظر الدولية تبقى مسألة إجراء الانتخابات أهم من القانون. مع أن هناك قانوناً لا يزال نافذاً، في إشارة إلى قانون 1960.