لم يكن قد مضى على وصوله إلى المنزل الصيفي في اللاذقية أكثر من 48 ساعة، عندما سمع الرئيس بشّار الأسد دوياً قوياً كأن قنبلة انفجرت في الجو. ونظر من الشباك، ثم أشار بيده إلى طائرة إسرائيلية قامت بخرق جدار الصوت فوق المنزل، ثم قال لزواره: لقد اعتدتُ على هذه العمليات البهلوانية. إن الإسرائيليين يريدون إبلاغي، بطرقهم الخاصة، أنهم يرصدون تحركاتي، ويعرفون موعد مغادرتي دمشق إلى اللاذقية مع عائلتي. هذه أعمال سخيفة لا تبدل في مواقفنا ولا تخيفنا. والهدف من تلك الطلعات الاستفزازية، كما حددها وزير الدفاع ايهود ابارك، إشعار النظام السوري بأن التفوق الجوي الإسرائيلي يمكن توظيفه لمراقبة كبار قادة النظام، ونسف خططهم المتعلقة بسلامة شعب دولة اليهود. وشاهِده على ذلك ما فعل الطيران عام 2007، يوم دمر منشأة دير الزور النووية قبل أن يبدأ الإنتاج على أيدي خبراء كوريا الشمالية. منذ ذلك الحين بقيت الحدود السورية - الإسرائيلية هادئة، إلى أن استهدف سلاح الجو الإسرائيلي الأسبوع الماضي قافلة زعم بنيامين نتانياهو أنها كانت تنقل أسلحة ثقيلة متطورة متجهة إلى «حزب الله» في لبنان. في حين استنكرت دمشق ذلك الادعاء، وأعلنت أن الهجوم أصاب منشأة بحثية علمية في منطقة جمرايا على مسافة 15 كلم من دمشق. يوم السبت الماضي، بث التلفزيون السوري صوراً لمبنى مدمَّر وإلى جانبه سيارات محروقة وراجمة صواريخ روسية الصنع من طراز «أس. أ-8». وزعم مراسل «الهيرالد تريبيون» في القدس أن وزارة الدفاع السورية حرصت على إظهار هذه المنصة الصاروخية تحاشياً لإغضاب الحليف الروسي الذي حذر من مغبة إرسال صواريخ من طراز «أس. أ-17» إلى «حزب الله» في لبنان. والسبب أن الرئيس فلاديمير بوتين كان قد وعد رئيس وزراء إسرائيل نتانياهو بألا يوفر لسورية أو حليفها «حزب الله» هذا النوع من الصواريخ التي يزيد مداها على 450 كلم. ذلك أن حدوث هذا التطور يزيد من قدرة «حزب الله» على ضرب مدن تقع في عمق إسرائيل وأطرافها. كما سيكون باستطاعته منع سلاح الجو الإسرائيلي من استباحة الفضاء اللبناني. في شكواها إلى الأممالمتحدة، قالت سورية أن طائرات إسرائيلية قصفت منشأة بحثية بمساعدة إرهابيين يعتمدون على إسرائيل في نشاطاتهم التخريبية. علماً أن هذه هي المرة الأولى، منذ صيف 2006، تقرر إسرائيل التدخل في الحرب الأهلية السورية. وحجتها أن ترسانة الأسلحة السورية – خصوصاً الكيماوية والصاروخية منها – ستُنقل إلى ترسانة «حزب الله» في الجنوب، الأمر الذي يزيد من احتمالات تكرار حرب 2006. وقالت صحيفة «معاريف» في تبرير قرار مهاجمة القافلة، إن سلاح الجو الإسرائيلي سبق له ودمر عدة جسور في لبنان كي يمنع الشاحنات المحمّلة بالصواريخ من الوصول إلى الجنوب في حرب تموز (يوليو). لذلك كانت تلك الشاحنات تستخدم الطرق الجبلية الوعرة. عدد من المحللين الأوروبيين ربط بين توقيت مهاجمة قافلة الصواريخ وبين موعد إعلان اتهام الحكومة البلغارية ل «حزب الله» بالوقوف وراء تفجير باص أدى إلى مقتل خمسة سياح إسرائيليين ومواطن بلغاري. واستغل نتانياهو بيان وزير الداخلية البلغاري ليحرّض الاتحاد الأوروبي على ضرورة تصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، والعمل على ملاحقة أعضائها ومحاصرة نشاطاتها. وقد دعمه في هذا المنحى جون برينان، المدير الجديد لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) الذي أطلق تصريحات عنيفة ضد الحزب متهماً إياه بزعزعة الاستقرار في أوروبا والعالم. واستعار وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري هذه الأوصاف، ليوجه في بيانه رسالة واضحة إلى المسؤولين الأوروبيين، يطالبهم بتسجيل اسم «حزب الله» على قائمة الإرهاب. وادّعى في البيان أن الارتكابات التي تقوم بها عناصر هذا الحزب تعدّت أوروبا والشرق الأوسط لتصل إلى جنوب شرقي آسيا وأميركا الجنوبية (يعني تفجير السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين). ردود فعل الأوروبيين على طلب الوزير كيري جاءت متفاوتة وملتبسة. خصوصاً من قبل الدول التي تشترك في قوات حفظ السلام في الجنوب. فالاقتراح الفرنسي دعا إلى وضع أسماء الأشخاص الذين قاموا بعملية بلغاريا على لائحة الإرهاب وليس «حزب الله.» وذلك تفادياً لزعزعة الاستقرار في لبنان ولعدم تعريض أمن ومصالح فرنسا فيه للخطر. أما بريطانيا فقد أيّدت وضع أعضاء الذراع العسكري للحزب على لائحة الإرهاب الأوروبية. وقد أيّدتها هولندا في هذا العرض، بينما عارضته إسبانيا، تاركة المقترحات النهائية إلى اجتماع بروكسيل المقبل. وزير الداخلية اللبناني مروان شربل قال أنه كان من المُفتَرَض أن تضع بلغاريا القضاء اللبناني في أجواء التحقيق قبل انتهائه. ربما افترض الوزير شربل حُسن النية في هذا المجال، في حين ليست هناك ناحية قانونية تُلزِم البلغار بالتنسيق مع لبنان، إلا إذا كانت الحكومة اللبنانية تملك قرائن مناقضة تريد ضمها للملف. وعندما زار رئيس الحكومة اللبنانية بلغاريا للإطلاع على ظروف هذا الحادث، أعرب عن حرص لبنان على أمن بلغاريا وكافة الدول، على قاعدة الاحترام المتبادل والعلاقات الإيجابية التي تنظم أصول التعاون. وكان الرئيس نجيب ميقاتي قد قام بزيارة خاطفة الأسبوع الماضي إلى ميونيخ، بهدف تطويق تداعيات هذا الاتهام والبحث مع ممثلي مؤتمر الأمن الدولي في المخارج السياسية المطلوبة. ويُستَدَل من طبيعة الموقف الذي أعلنه نائب أمين عام الحزب نعيم قاسم أن العملية كلها مصطنعة من أجل استهداف المقاومة بالسياسة والدعاية، بعدما فشلوا في إسقاطها بالحرب والمواجهة. ومثل هذه التبرئة تقتضي إتباعها بدعوى افتراء يقيمها «حزب الله» ضد بلغاريا قبل أن يضع الاتحاد الأوروبي اسمي الوزيرين حسين الحاج حسن ومحمد فنيش على قائمة الإرهاب. صحيح أن الحزب لا يعترف بقوانين الدول الأخرى... ولكن الصحيح أيضاً أنه يجب إعتاق وضعه الداخلي من حال الثورة والتكيف مع حال الدولة، كونه ارتضى أن يكون شريكاً في حكومة تمثل نصف لبنان. عندما ضربت إسرائيل قافلة الشاحنات الخارجة من سورية، توقعت سقوط صواريخ فوق مدنها انتقاماً لثاني عملية من هذا النوع. وكانت وزارة الدفاع الإسرائيلية قد نشرت بطاريات «باتريوت» المضادة للصواريخ شمال البلاد تحسباً لردود من الجانب السوري بعد تهديدات صدرت من دمشقوطهران و «حزب الله». واللافت أن إسرائيل أبلغت الإدارة الأميركية عن استعدادها لمهاجمة سورية كإجراء روتيني أراد نتانياهو إتباعه من أجل تحسين العلاقات المتوترة منذ الانتخابات الأميركية. واعترف كيري على التلفزيون أنه التقى الرئيس الأسد مرتين قبل بدء الاحتجاجات في آذار (مارس) 2011. وقال أن هذا الأمر أصبح تاريخاً قديماً لأن الأسد اتخذ قرارات خاطئة وغير مُبَررة. كذلك دعاه إلى الرحيل لأن الولاياتالمتحدة تمهد للمرحلة الانتقالية بالتعاون مع روسياوإيران. المفاجأة المُستَغربة التي طلع بها نتانياهو الأسبوع الماضي تتلخص في ضرورة إقامة شريط عازل يمتد مسافة 47 كلم على حدود البلدين. وقد اعتمد في تصريحه على الاقتراح الذي قدمته القيادة العامة، من أن الإسلاميين سيحكمون سورية بعد سقوط الأسد، وأنه من الضروري نشر قوات إسرائيلية بهدف المحافظة على الأمن، تماماً مثلما أقيمَ الشريط الحدودي في جنوب لبنان. ودعمت القيادة اقتراحها بالقول إن الجهاديين من جماعة «جبهة النصرة» مدوا نفوذهم إلى قريتين لا تبعدان أكثر من ثلاثة كيلومترات عن حدود إسرائيل. ويبدو أن زعيم هذه الجبهة، الملقب «أبو محمد الجولاني»، ينتمي بالنسب إلى سكان إحدى هاتين القريتين. وكان قد تدرب على القتال في أفغانستان مع «القاعدة»، ثم حارب باسمها في العراق. وقد صنفته الولاياتالمتحدة في عداد الإرهابيين، ورفضت التعاون مع جماعته في سورية. قبل أن يزور نتانياهو منطقة الشريط العازل مع سورية، أرسل إلى موسكو يعقوب أميدرور، رئيس حرسه، من أجل إبلاغ الرئيس بوتين بالتطورات الجارية على الأرض. كما أرسل في الوقت ذاته إلى واشنطن الجنرال أفيف كوكافي، رئيس الاستخبارات العسكرية، وكلفه إطلاع الإدارة الأميركية على الاستعدادات القائمة لإرسال فرقتين من الدبابات للمرابطة داخل الأراضي السورية. الهاجس الروسي عبّرت عنه موسكو بصراحة لموفد نتانياهو، وهو ألا تكون أعمال إسرائيل مقدمة واسعة للتدخل في الشأن السوري. أو ألا تكون استفزازية بالقدر الذي يمثل خطر اندلاع حرب إقليمية. وقد ألمحت الحكومة الإيرانية إلى هذا الخطر عندما قال المرشد الأعلى علي خامنئي إن الاعتداء على سورية هو بمثابة اعتداء على إيران. وقد أرسل إلى دمشق أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، سعيد جليلي، ليؤكد للأسد أن إيران لا تسمح بزعزعة استقرار بلد حليف، كما لا تسمح بإضعافه. وتذكّر الصحافة الإسرائيلية دائماً بوجود أكبر عدد من رجال الاستخبارات الإيرانية بالقرب من درعا التي تبعد سبعة أميال فقط عن الحدود الإسرائيلية. وهناك إلى جانبهم وحدات من حرس الثورة ووحدات «قوة القدس» مع محاربي «حزب الله»، الأمر الذي يشير إلى إصرار طهران على البقاء في سورية حرصاً على نفوذها على شواطئ المتوسط. وحول هذا الوضع يقول الرئيس محمود أحمدي نجاد: إن إيران تحارب في سورية من أجل مستقبل مكانتها في الشرق الأوسط. وربما يكون مستقبل المنطقة معلقاً على نتائج المعركة الحالية. وسيكون للبُعد الدولي، وخصوصاً علاقة الولاياتالمتحدةبروسيا، الوزن المهم في صوغ نتائج المعركة النهائية. الرئيس الأميركي باراك أوباما قرر زيارة المنطقة الشهر المقبل. ويُستَدَل من برنامجه أنه يسعى إلى زيارة إسرائيل والضفة الغربية بغرض تقريب وجهات النظر لخريطة طريق جديدة تُفضي إلى إقامة دولتين. وهذه هي المرة الثانية التي يزور فيها إسرائيل بعدما زارها المرة الأولى عام 2008. ويتوقع المراقبون أن يبحث أوباما أيضاً مسألة إيران وتخصيب اليورانيوم. وربما يشجعه على هذه الخطوة الموقف المرن الذي أبداه وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، الذي أعرب عن استعداده للدخول في مفاوضات مباشرة مع واشنطن حول البرنامج النووي. وحول هذا الموقف يرى نتانياهو أن وصول إيران إلى المفاوضات من دون حلفائها في سورية ولبنان وغزة، يبقي ضغط العقوبات غير كافٍ. لذلك يفسر المحللون تدخل إسرائيل في الحرب الأهلية في سورية، بأنه خطوة مدروسة قد تشعل حرباً مباغتة مع «حزب الله» قبل وصول أوباما إلى المنطقة! * كاتب وصحافي لبناني