حرص الرئيس الراحل رفيق الحريري على زيارة طهران عقب تسلمه مهمات رئاسة الحكومة. وأخبر المسؤولين الإيرانيين أنه متعاطف بقوة مع دور «حزب الله»، ولكنه يتمنى مساعدته على بناء دولة القانون، وذلك عبر التنسيق مع الدولة اللبنانية. وشكره الإيرانيون على ثقته الغالية بقدرتهم، وأبلغوه أن وزير الخارجية الأسبق فارس بويز كان قد سبقه الى طهران للغاية ذاتها. وكما اعتذروا للوزير بويز، كذلك اعتذروا للرئيس الحريري، على اعتبار أن «حزب الله» مستقل في قراراته، وأن المساعدات التي يرسلونها الى الجنوب لا تتعدى حدود المجالات الإنسانية والخدمات الاجتماعية. بعد مرور أكثر من 18 سنة على زيارة الحريري الأول، حاول نجله سعد، امتحان قادة إيران لعلهم يضاعفون مستوى التنسيق السياسي مع الدولة المركزية. وفاجأه مرشد الثورة علي خامنئي بتأكيد دعمه لاستمرار المقاومة الإسلامية الى حين زوال إسرائيل من الوجود. وأعطى خامنئي لحجته سبباً إضافياً معتبراً أن استمرار المقاومة مرتبط بنيات إسرائيل العدوانية، واحتمال تكرار عملية احتلال لبنان حتى طرابلس بهدف محاصرة سورية. ويُستنتج من كلام الرجل الأقوى في إيران، أن قضية سلاح «حزب الله» ليست خاضعة لانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي اللبنانية فقط... وإنما تخضع لفكرة إزالة إسرائيل من الوجود. ومثل هذا التصور الذي ردده الرئيس محمود أحمدي نجاد في نيويورك وبنت جبيل، يعكس الى حد كبير أفكار أعلى شخصية دينية - سياسية في إيران. من هنا يرى عدد من نواب لبنان، أن من الضروري مراجعة موقف الدولة في ضوء مواقف إيران وسورية اللتين تعتبران لبنان حاجزاً جغرافياً يمنع تصادم إسرائيل وسورية. وقد لا يزول دور هذا الحاجز العازل قبل استرجاع الجولان وقيام الدولة الفلسطينية! ولكن هذا التصور أصبح مقلقاً بعدما نجحت إسرائيل في توظيف خطب الرئيس أحمدي نجاد من أجل استدرار العطف عليها، خصوصاً أنها ركزت في حملتها المضادة على اتهام قادة طهران بالتخطيط لتنفيذ «الهولوكوست الثاني». لذلك هددت بضرب المنشآت النووية الإيرانية من موقع الدفاع عن النفس والردع الوقائي، مثلما فعلت عام 1981 مع مفاعل «تموز» العراقي. قبل عقد مؤتمر الحلف الأطلسي الأخير قدم الرئيس باراك أوباما الى بنيامين نتانياهو رزمة رشى سياسية وعسكرية لإقناعه بالعدول عن مهاجمة إيران. ومع أن إسرائيل ليست عضواً في «الناتو»، إلا أن قادة هذا الحلف تعهدوا حمايةَ أمن إسرائيل في حال تعرضت لخطر الصواريخ الإيرانية المنصوبة في جنوب لبنان وقطاع غزة. في السابق كان مشروع الدرع الصاروخية الأميركية يحمي إسرائيل ضمن مظلته الوقائية الفضائية، ولكنه اليوم تحول الى مشروع أطلسي، مع العلم أن وزارة الدفاع الإسرائيلية تملك منظومة صواريخ ردعية متطورة مثل «باتريوت» و «آرو». وكان لافتاً في الجلسة الختامية أن تركيا أفلحت في مساعيها الديبلوماسية لمنع ذكر إيران كدولة تمثل خطراً على الدول الأطلسية يُفترض أن تتصدى لها الدرع. ويقال في هذا السياق إن رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان أصرّ على اتخاذ هذا الموقف في سبيل دعم التكتل الذي ضم بلاده، إضافة الى 14 دولة تنتمي جغرافياً الى الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز. وظهرت قاعدة هذا التكتل في الدول المؤسسة: تركيا وسورية وإيران. للرد على هذا التكتل الإقليمي، تسعى إسرائيل بدعم من الولاياتالمتحدة، الى إنشاء تكتل مضاد يجمع: اليونان وبلغاريا وقبرص اليونانية ورومانيا وصربيا ومونتينيغرو ومكدونيا وكرواتيا. ورأى المراقبون في هذا التكتل موقفاً مناوئاً لتركيا التي ظهرت في الحقبة الأخيرة كقوة تهديد متعاونة مع إيران. كذلك اعتبر رئيس وزراء اليونان باباندريو أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة كشفت له عن خيبة أمل كبرى من الدول العربية التي أيدتها اليونان لمدة ستين سنة. ولما طلب منها المعونة أحجمت عن تقديم مساعدات اقتصادية أو المشاركة في حقول الاستثمار. واستغل باباندريو هذا الموقف السلبي، لتعزيز علاقاته بإسرائيل. وعين وزيراً خاصاً لتطوير هذه العلاقات، في حين كلف نتانياهو نائب وزير الخارجية داني أيالون للقيام بمهمة المنسق السياسي بين البلدين. كذلك مشت بلغاريا شوطاً بعيداً في مجال التعاون الأمني مع إسرائيل. وقد عززت هذا الاتجاه الزيارة الخاصة التي قام بها الشهر الماضي رئيس «الموساد» الذي التقى رئيس وزراء بلغاريا في زيارة وصفت بأنها ناجحة جداً. مظلة الحلف الأطلسي لم تمنع الولاياتالمتحدة من إبقاء الخيار العسكري حياً لدى إسرائيل. وقد عبّر عن هذا الخيار نائب أوباما جو بايدن في سلسلة تصاريح قال فيها: إن إسرائيل كدولة ذات سيادة، لها الحق في أن تقرر حماية مصالحها وأمنها، سواء وافقت أميركا على ذلك أم لم توافق! وكان من الطبيعي أن يوظف نتانياهو موقف بايدن لاستكمال الاستعدادات الحربية، كأن المواجهة ستحدث فور الإعلان عن إنتاج قنبلة نووية إيرانية. لذلك حصلت اسرائيل على غواصتي صواريخ ألمانيتين من طراز «دولفين». ويقول الخبراء إن سلاح البحرية الإسرائيلية يملك خمس غواصات حديثة مجهزة بصواريخ باليستية وذرية، لها قوة ردع فعالة. وهناك خمس دول في العالم تملك مثل هذه الغواصات هي: الولاياتالمتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا. ومع وصول الغواصتين الحديثتين تصبح القوة الإسرائيلية في هذا المجال هي الثالثة قبل الصين وفرنسا وبريطانيا. ألمانيا أنفقت على كل غواصات «دولفين»، وتحملت كامل تكاليف الغواصتين الأولى والثانية ونصف إنتاج الثالثة والرابعة. أما بالنسبة الى سلاح الجو الإسرائيلي، فقد وعد أوباما بمنحها عشرين طائرة من طراز «أف - 35» المسماة «الشبح» مقابل قرار تجميد المستوطنات. ولكن إسرائيل موعودة أيضاً بعشرين طائرة مماثلة تقتطع تكاليفها من المساعدات العسكرية الأميركية. وتبلغ تكلفتها بليونين وسبعمئة مليون دولار. ومن مزاياها أنها قادرة على تضليل الرادار والإقلاع والهبوط بصورة عمودية. وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك تحدث هذا الأسبوع عن حصول الجيش على نظام حماية لدبابات «ميركافا» ضد الصواريخ يدعى «معطف الريح». وهو يزعم أن شركة «رفائيل» طورت نظام الوقاية هذا، بهدف حماية الدبابات من الصواريخ الخارقة التي أحرقت دبابات «ميركافا» عدة ومنعتها من التقدم في حرب صيف 2006. وبما أن الجيش السوري وفرق الانتحار داخل «حزب الله» اعتمدت سلاح الصواريخ المضادة للدبابات كنظرية قتالية تكتيكية، فإن باراك يتوقع استخدام «معطف الريح» في الحرب المقبلة. وهو يدعي أن الاختبارات أثبتت جدواها بدليل أن الجيش الأميركي في أفغانستان باشر في استخدامه. قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن ايران بصدد إقامة قاعدة عسكرية لصواريخ أرض - أرض في فنزويلا. وذكرت أن هذا الكشف نُشر في جريدة «دي فيلت» الألمانية التي أعدت تحقيقاً شاملاً حول توطد العلاقة بين طهران وكاراكاس، وبين الرئيسين هوغو تشافيز ومحمود أحمدي نجاد. ويرى المحللون أن الصحيفة الألمانية تعمدت الإساءة الى الرئيس نجاد من طريق إظهاره في دور خروتشيف الذي هدد الأمن الأميركي يوم نشر صواريخ في كوبا. كما تريد بالتالي تبرير خطط التآمر ضد تشافيز لأنه سمح للحرس الثوري الإيراني ولأعضاء من «حزب الله» بإنشاء قاعدة مشتركة في كاراكاس هدفها التمدد في أميركا اللاتينية. والغرض من وراء هذه التسريبات الصحافية الملفقة استفزاز واشنطن وحضّها على دعم إسرائيل في حال قررت توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، خصوصاً أن قدرة الردع الإيرانية تتعارض مع أهداف الولاياتالمتحدة التي تعتبر موارد الطاقة في الشرق الأوسط أولوية قصوى منذ الحرب العالمية الثانية. لذلك تنظر واشنطن الى تمدد النفوذ الإيراني باتجاه منطقة الخليج، كتهديد متواصل يزعزع استقرار مصالحها الحيوية. ولكنها في الوقت ذاته لا تسمح لإسرائيل بالعمل العسكري المستقل لسببين: أولاً - لأن إيران سترد على الاعتداء الإسرائيلي بضرب مصالح الولاياتالمتحدة وحلفائها الأوروبيين والعرب. ثانياً - لأن الاعتداء سيحدث موجة عدم استقرار في المنطقة يصعب على الولاياتالمتحدة لجم تفاعلاتها السلبية. الأسبوع المقبل تبدأ في جنيف مفاوضات الدول الكبرى حول البرنامج النووي الإيراني. وقد وصفت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مشاركة إيران في الاجتماعات، بأنها خطوة مشجعة. في حين اعتبرتها إسرائيل مضيعة للوقت وفرصة لشراء مزيد من المساندة الإقليمية والدولية. ويتوقع المراقبون أن يطرح المندوب الإيراني فكرة عقد مؤتمر دولي يؤسس لقيام منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط. ولما عرضت مصر هذا الاقتراح في السابق، اشترط الرئيس أوباما للموافقة، تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل. وهذا معناه أن المفاوضات ستحتاج الى 35 سنة أخرى! *كاتب وصحافي لبناني