من قال إن أميركا بعيدة... ولغة التواصل تحكمها المسافات؟ تبدو وسائل التفاعل من بعد حاضرة بقوة في «الملتقى الثقافي الأميركي» في لبنان. هنا تجد واحة فسيحة من المخزون الثقافي والاجتماعي الحاضر للتصدير لمن يرغب في استكشاف الوجه الحقيقي للولايات المتحدة، في تاريخها وحاضرها، وكل ما يتصل بحياتها اليومية. American Corners يشكّل في الواقع نافذة للتعرّف الى «أميركا كما هي» بعاداتها وثقافتها وتاريخها وحياتها السياسية ومجتمعها المدني. سلك «الملتقى الثقافي الأميركي» طريقه الى لبنان عام 2004، وانتشرت برامجه في المكتبة العامة الوطنية في بعقلين (قضاء الشوف) والمكتبة العامة في بلدية زحلة ومبنى البلدية في راشيا (البقاع) ومركز كامل يوسف جابر الثقافي في النبطية (جنوب لبنان)، وذلك بالتعاون مع قسم «الشؤون الإعلامية والثقافية» في السفارة الأميركية في بيروت، وظل التجاوب مرهوناً بنسبة الإقبال على هذه المكتبات وعدد روادها. الأبواب مفتوحة للجميع ومن دون شروط، من طلاب المدارس والجامعات والمدرّسين والأساتذة والخبراء المحترفين وسائر أفراد المجتمع المحلي. هي مساحة واسعة غنية بالمعلومات للاطلاع على مختلف جوانب الحياة اليومية الأميركية، الاجتماعية والثقافية والتربوية والاقتصادية والسياسية. أسلوب التواصل مبسّط، عملي، وغير متكلّف، وبعيد من لغة الفرض حيث تبقى المبادرة الشخصية هي العنوان الأساس لإغناء تجربة «أميركان كورنرز». بهذا المعنى نظّمت محاضرات في عدد من هذه المكتبات حول الدراسة في الولاياتالمتحدة الأميركية والمنح الجامعية. الرغبة في الاطلاع على هذا «العالم الجديد»، صدرت من قبل تلامذة وطلاب يرغبون باستكشاف «أسرار» الدراسة في الجامعات الأميركية وكيفية تقديم طلبات الانتساب وتلمّس «خريطة الطريق» نحو المعرفة العلمية من بابها الأوسع. والتجاوب كان فورياً من قبل مسؤولي برنامج «أميركان كورنرز»، حيث تمّت الاستعانة أحياناً بخبرات طلاب درسوا في الولاياتالمتحدة وتحدثوا عن تجربتهم الشخصية في هذا المجال، أو بمسؤولين من السفارة الأميركية قدّموا شرحاً مفصلاً عن الخيارات المهنية في الولاياتالمتحدة. «أميركا بين يديك» هي الترجمة العملية لمشروع «الملتقى الثقافي الأميركي». عندما تدخل مكتبة بعقلين تجد كل المنافذ «مفتوحة» للاطلاع والاستفسار عن تلك الدولة التي تسحر بكل تناقضاتها بقية دول العالم: كتب باللغتين العربية والإنكليزية، وثائق، أفلام فيديو، انترنت، محاضرات، نشاطات تطبيقية، موسيقى، أقراص رقمية DVD، و CD، إضافة الى نقاشات مفتوحة على كل الأسئلة والاستفسارات، وتجارب لأميركيين لبنانيين اختبروا سنوات طويلة العيش «على الطريقة الأميركية». المشهد يتكرّر في «الملتقيات الثقافية الأميركية» الثلاثة الأخرى في لبنان. وبما أن روزنامة الأعياد والمناسبات الوطنية في الولاياتالمتحدة حافلة بالتواريخ الكبرى، فإن «الملتقى الثقافي الأميركي» ينقل روحية هذه المناسبات ورمزيتها الى من يرغب في الاستماع واستخلاص العبر ورسم مفهومه الخاص لهذه المحطات المفصلية في التاريخ الأميركي. في شباط (فبراير) من العام الحالي حضرت مديرة الشؤون الإعلامية والثقافية في السفارة الأميركية شيري لنزن الى مكتبة بعقلين وناقشت مع الطلاب مسار حركة الحقوق المدنية في الولاياتالمتحدة. لم تكن تلك الزيارة الوحيدة التي تقوم بها لنزن إلى المكتبات المشارِكة في «الملتقى». لكن المناسبة فرضت نفسها، لأن شباط هو شهر الأميركيين الأفارقة، فكانت حلقات نقاش موسّعة حول مفهوم حركات النضال التحرّرية في الولاياتالمتحدة ومسارها، وظهر اهتمام طالبي لافت بمسألة وصول أميركي أسود الى سدّة الرئاسة، وهذا ما أعطى للنقاش طابعاً خاصاً ربط الماضي بالحاضر. تقول لنزن «أن أميركان كورنرز» يشكّل ساحة تعريف عن أميركا في العديد من دول العالم، لكن بطريقة مختلفة عن الأساليب التقليدية. كل شيء يكون متوافراً لتقديم هذا الخزان الهائل من المعلومات حول أسلوب العيش والتفكير في الولاياتالمتحدة. وفي بلد متعدّد الطوائف في لبنان تؤكد لنزن «أن «الملتقى الثقافي الأميركي» مفتوح لكل الأعمار والفئات الاجتماعية، كونه جسر عبور للتقارب والتفاهم. والدستور الأميركي يقوم على حرية المعتقد والدين واحترام التنوع، لذلك فنحن في عملنا نتطلع الى الشخص وليس الى دينه». في مكتبة بعقلين تجد الأطفال يلوّنون صورة الرئيس الأميركي السابق جورج واشنطن. هو في الواقع نشاط تطبيقي يستخدم التلوين لتعريف الأطفال برؤساء الولاياتالمتحدة. وفي «أميركان كورنرز» تتوغل أكثر في تفاصيل «الرياضة الأميركية» من خلال معرض كتب عن السوكر والفوتبول والبايسبول... وتاريخ محمد علي كلاي. وللبيئة حصتها أيضاً من الاستكشاف، كذلك الأدب والفنون الأميركية. وزوار «الملتقى الثقافي الأميركي» يتسنى لهم، كما تقول لنزن، التعرّف الى معاني المناسبات والأعياد الوطنية الأميركية. 22 نيسان (ابريل) هو يوم الأرض، 14 حزيران(يونيو) هو يوم العَلم، آذار (مارس) شهر المرأة، 11 تشرين الثاني (نوفمبر) ذكرى المحاربين القدامى. وبذلك، تضيف لنزن، يتسنى لغير المطّلعين على التاريخ الأميركي، أو الذين يملكون أفكاراً محدودة عن أسلوب العيش الأميركي من توسيع مروحة معلوماتهم واستكشاف المحطات المفصلية في التاريخ الأميركي وفهم مغزاها، عبر تعزيز لغة التبادل الثقافي والحوار، وإعادة إحياء البرامج الثقافية الأميركية للبنانيين المقيمين خارج العاصمة بيروت. «الملتقى الثقافي الأميركي» في مكتبة بعقلين الوطنية افتتح في 25 تموز (يوليو) 2007. وتلفت مسؤولة قسم الأطفال والناشئة ومديرة «الملتقى» في المكتبة مي العقيلي الى «أن «أميركان كورنرز» يشغل جزءاً من هذه المكتبة التي انشئت منذ نحو 22 عاماً». المكتبة كانت عبارة عن سجن وقد حوّلها النائب وليد جنبلاط الى مكتبة عامة قدّمها لوزارة الثقافة عام 1997. تقول العقيلي «أن النشاطات ضمن هذا البرنامج هي متنوّعة ومتعدّدة الأساليب وتتغيّر شهرياً. في فصل الشتاء يتم التركيز على طلاب المدارس، وفي الصيف تكون الإمكانية متاحة أكثر لمختلف الفئات العمرية، وذلك بالتنسيق مع السفارة الأميركية في لبنان التي تتكفّل بتأمين كل مستلزمات هذه النشاطاةت. تلخّص العقيلي أسلوب التفاعل ضمن «الملتقى» ب «أقرأ أفرح أتسلّى». وهي تعني بذلك أن التعرّف الى الولاياتالمتحدة من خلال هذا البرنامج هو متعة حقيقية، على اعتبار أن الأساليب المعتمدة غير تقليدية وتستهدف المعرفة والتسلية في الوقت نفسه. تعتمد المكتبة نظام الإعارة المجانية للكتب، والاستخدام المجاني للإنترنت ومشاهدة الDVD وتنظيم المحاضرات... وتؤكد العقيلي «أن التجاوب مع «أميركان كورنرز» يزيد عاماً بعد عام، وهذا الأمر يمكن تلمّسه من خلال سجل الحضور وسجل إعارة الكتب للأهل ولأولادهم». ومن النشاطات التي شهدتها مكتبة بعقلين في الآونة الآخيرة التعريف بخصائص كل الولايات الأميركية ومميزاتها، وتنظيم حوار مفتوح عن السياسة الأميركية شاركت في إدارته لنزن. وضمن المشاريع المقترحة لهذا العام الغوص في تفاصيل «عادات» الولايات الأميركية المختلفة عن بعضها بعضاً». في 19 أيلول (سبتمبر) من عام 2007 تم افتتاح الفرع الرابع ل «الملتقى الثقافي الأميركي» في زحلة. وكان المجلس البلدي في زحلة يضم سابقاً إحدى مكتبات «جون ف كينيدي» الخمس في لبنان، وبعد إقفاله عام 1960، بقيت الكتب والمعدات في زحلة كي يتمكن القيّمون على المكتبة العامة من إجراء الدراسات والبحوث في مجتمعهم المحلي. وسيتيح «أميركان كورنرز» في الأسابيع المقبلة تشكيل ملتقى للبنانيين الحاملين للجنسية الأميركية مّمن شاركوا في برامج للتبادل الثقافي بتمويل من الحكومة الأميركية، عبر الانضمام الى شبكة الاتصالات لموقع alumni.state.gov الأمر الذي سيمكّنهم من عرض تجاربهم، والتواصل مع المشاركين السابقين في برامج التبادل الثقافي التي ترعاها الحكومة الأميركية في مناطق مختلفة من العالم، والاطلاع على أحدث البحوث التي أجريت في مجال تخصّصهم المهني والمشاركة المباشرة في منتديات الحوار والنقاش مع الخبراء. و «الملتقى الثقافي الأميركي» برنامج عالمي تموّله الحكومة الأميركية في 413 موقعاً في العالم: أوروبا وأوراسيا (164) شرق آسيا (59) أفريقيا (75) جنوب ووسط آسيا (43) الشرق الأوسط (50) وفي أميركا اللاتينية (22). وهناك 18 مشروعاً قيد الإنجاز. وتتيح خدمة ال Digital Video Conference المتوافرة في العديد من هذه المواقع تواصل الكثير من أصحاب الخبرات الأميركيين مع جمهور «أميركان كورنرز» في كل العالم، وقد تشمل النقاشات مواضيع وملفات حسّاسة كالأيدز والاتجار بالبشر... غالباً ما تتركّز مواقع ال «أميركان كورنرز» خارج العاصمة حيث «تفتح النافذة» الى معرفة أوضح وأكثر عملانية للثقافة الأميركية في الميادين كافة، وتعمل على إزالة الالتباسات لدى جمهور عادة ما يملك أفكاراً مسبقة عن الولاياتالمتحدة تفتقر في كثير من الأحيان الى الدقة والموضوعية. ويعمل «مكتب برامج الإعلام الخارجي» (IIP) (The Bureau of International Information Programs) التابع لوزارة الخارجية الأميركية مع مختلف بلدان العالم من خلال الوزارة لدعم الملتقيات الثقافية وتطويرها في مختلف أنحاء العالم.