تقول الطاغية في الحسن: «أنا جاي على بالي أرقص»، ويقول الطاغي في الحزن: «أنا جاي على بالي أتحلطم»، و«التحلطم»، كما أفهمه، مجرد دمدمة غضب وهمهمة غير واضحة اللفظ، لكنها تمنح تأكيداً على أن هذا الرجل ليس بخير، وترجمتها في العربية الحديثة «أنا ماني كويس»، ولها مرادفات في قاموس السياسة، الاقتصاد، والمجتمع، تتفرق في الأحرف وتجتمع في وصف واحد: وراء كل «متحلطم» جهات حكومية لا تؤدي مهماتها. تتوالد مسببات ارتفاع «الحلطمة» في الشارع السعودي بمعدلات تصاعدية يومياً، وهي قابلة للقياس والتفسير، وتأسيس مؤشر «حلطمة» أسهل من تأسيس مؤشر الأسهم، كذلك قراءته، فسلبية رد فعل الجهات الحكومية السعودية تجاه انكشاف عريض على أسماء موظفين فيها يحملون شهادات أكاديمية مزورة، وكانوا سبباً مباشراً في تدني ورداءة علاقتها مع المواطن، أحد أسباب «حلطمتي»، كذلك فوز النصر على الهلال. أنتج الشيخ محمد العريفي موجة «حلطمة» عندما استنسخ خطبة من كتاب لمؤلف سعودي، نسخها من كاتب مصري، ثم تحولت إلى «معلقة دينية»، كتبها تيار إخوان مصري بماء الذهب على صدر عام 2013، ليس لأنها عبقرية، بل لأن «المسروق» بات له بركة، والكذابون لهم جمهور، واللاعب «أبو ركبة سوداء» يسيطر على الملاعب السعودية، و«هذه رسالة قصيرة من صاحب البيت يحثني على تسديد إيجار شهر مقبل»، أبشر يا طويل العمر، لأنني لا أستطيع أن أتحمل لقب «شايب شوارع». رفع «تويتر»، «واتس أب»، وبرنامج «الثامنة» لداود الشريان، معدلات «الحلطمة» أخيراً، وكأن هذا الثلاثي مولود لذلك، الحمد لله ما عندي «بلاك بيري»، ولا أعتمد إلا على رقم جوال واحد، «وهذا الأنيق الجالس أمامي في المقهى يضع ثلاثة أجهزة موبايل بيننا»، لعله «يتحلطم» ثلاثة أضعافي، قد يموت هذا الرجل في وقت ما حتماً. تكاثر الكذب والكذابون من حولنا، شركات كبرى لا تفي بوعودها لمصلحة خدمات ما بعد البيع، والبنوك «تتمسكن حتى تتمكن» من تلابيب راتبك، وعندما لا تعرف أحداً «في أي حتة» ربما تتعرض للقرص في «كل حتة»، كما أن «الحلطمة» متاحة في الشارع والمقهى فقط، وغير مسموح بها في الإدارات الحكومية، حتى وإن رأيت تقاسيم وجه الموظف تتحطم وتتهشم عند رؤيته لك خلال شهر أربع مرات، فلأنه لم يعد قادراً على إنجاز معاملتك، لأنه لا يعرفك ولا يعرف أحداً يعرفك. صنع «تويتر» محاربين مقنعين، يرسلون «الحلطمة» من كل فج عميق، ويؤذنون بالناس على مدار الساعة بكلمات «نصدقها حتى وإن كذبنا قائلها»، ما يرفع معدلات اكتساب «الحلطمة» يومياً، مضافاً إليها اعتقاد خطيب الجمعة في مسجدنا بجدة، أنه من نعيم الله علينا وعلى الأمة قاطبة وجود مسجدين في مدينة بريدة يتمسكان حتى الآن بعدم السماح بدخول السجاد، وأن الصلاة هناك تتم على رمل و«بحص»، كانت دموعه أسرع في استحلابها من ثدي أم حنون! تنتمي «الحلطمة» إلى مواد استهلاكية ذات صلاحية مديدة، فربما بعضها يعيش 20 عاماً أو أكثر، خصوصاً إذا كانت من فئة «نكد التأجير»، «استعجلت وتزوجتها»، أو «أخواني لطشوا ميراثي»، كما أن «الحلطمة» أحد أصوات شك الحبيب في حبيبه، فلا هو راغب في كسر الزجاج وغير قادر - في الوقت نفسه - على مسح طبقة ضباب تمنع وضوح رؤية اليقين. [email protected] @jeddah9000