يعتمد الناشر ومصمم الغرافيك الألماني كلاوس شتيك على أسلوبه المثير للجدل ومهاراته التقنية في التصوير في تصميم صور ولوحات دعائية مؤثرة ومعبرة لإثارة الوعي العام للأخطار التي تهدد البيئة العالمية. ولذلك يندفع عبر الوسائط التعبيرية الفنية الجامحة مُبرزاً ومركزاً ومُجرّداً ومحللاً كثيراً من اللحظات المؤلمة ونقاط التحول والحوادث والكوارث والأزمات المرتبطة بظواهرالاحتباس الحراري وتلوث الجو وتراكم القمامة ومشكلة النفايات النووية وتلوث مياه البحار. وفي معرضه «لم يتم إنجاز شيء» الذي تستضيفه الاسكندرية، تحتل اللوحات المعنية بحماية البيئة المساحة الكبرى من المعرض، فقد دأب شتيك منذ وقت طويل - قبل تأسيس حزب الخضر في ألمانيا - على إثارة الوعي العام بالانتهاكات البيئية والمرتبطة بظواهر سياسية واقتصادية وثقافية طارحاً العديد من الأسئلة حول آليات ممارسة الحياة اليومية وعلاقتها بالبيئة. ويرى شتيك إن السبيل الوحيد للفن يتمثل في تصميم صور مؤثرة ومعبرة، «فالتعبير بالصور عن أمر ما، يمكن أن يتم تجاهله بسهولة إذا ما تم التعبير عنه بالكلمات»، لافتاً أن تقنية الكولاج تعد وسيلة مثالية في هذا الصدد. يُظهر المعرض الأساليب والتقنيات القديمة التي كانت معهودة في طباعة الملصقات كالأوفست، والسلكسكرين. ويقول شتيك: «ركبت أولى التصاميم عن طريق القص واللصق بشريط السكوتش والصمغ. ومن ثم اكتفينا بإعداد رسم تقريبي، وتم تصنيع أفلام باستخدام العناصر البصرية والنصوص اللازمة، وتعريض ألواح الطباعة منها للضوء مباشرة. واليوم اختلفت التقنيات وتحولت لرقمية». وعن سبب اختياره الملصقات كنسق فني لبلورة مخاوفه حول انتهاكات البيئة، يوضح: « لقد اعتبرت الملصقات بديلاً حين شعرت أنه على رغم إهتمام كثير من الناس بالموضوعات التي أطرحها، إلا أنهم لا يحتاجون إلى توقيع أو ترقيم أسفل الرسوم بل يسعدهم اقتناء الفكرة في شكل ملصق». ويضيف:» لقد أثارت أولى ملصقاتي البيئية التي نفذتها قبل 40 سنة حالة عامة من عدم الفهم في بداية الأمر. إلا أن هذا الأمر قد تغير الآن، وعلى رغم اتساع نطاق معرفتنا بالحالة التي آلت إليها الأرض وبالقوة التدميرية التي تتسم بها العديد من السلوكيات إلا أننا لازلنا لا نتغير». الشعور بخيبة الأمل هو المهيمن على المعرض، فلم يعد شتيك يؤمن بأن الخطوات اللازمة للتغيير يمكن أن تتحقق طواعية، فخلال أربعين سنة من الجهد الذي لا يعرف الكلل فى إثارة الجدل والوعي واستنهاض الهمم والتحذير، يصحبها يقين لا يتزعزع فى أهمية الفكر النقدى والتنوير الفني، اكتشف شتيك أن بعضا من أقدم لوحات الدعاية للمحافظة على البيئة لا تزال ذات مواضيع معاصرة لأيامنا. يقول: «من المخيب للأمل، أن نتبين كيف أن كوارث - قد لا تكون الأخيرة - مثل كارثة الانفجار النووي فى فوكوشيما باليابان، وتسرب بقعة النفط فى خليج المكسيك، تبين لنا مدى هشاشة الأرض التي نستأجرها». أربعون سنة أمضاها رئيس أكاديمية الفنون في برلين، وهو بدأ حياته محامياً عام 1962، في تصميم ما يربو على 300 لوحة دعائية، تكفلت ضخامة عددها، في دعم شهرته ورفعه فوق المستوى العادي المألوف، فصار بحق واحداً من أهم مصممي لوحات الدعاية الألمان، من حيث الكثرة العددية والرؤية الفلسفية. يثبت شتيك أن كثيراً من النماذج لا تتقدم بمرور الزمن، فمع كل حادث من حوادث تسرب النفط لا يحتاج إلا لسحب ملصق «تسرب النفط» من الخزانة وتغيير اسم السفينة! ويشير الى أنه تناول «العديد من الملصقات موضوع الطاقة النووية. وبعد معارك شرسة خاضها كثير من المواطنين، حدث تغيير جذري في الناحية السياسية على الأقل بالنسبة إلى ألمانيا. إلا أن هذا التغيير لم ينتشر في أرجاء العالم». ويضيف الفنان الألماني: «عزائي أنني ساهمت في معظم القضايا البيئية تقريباً، إلا أن مشكلتي تتمثل في أن هناك أفكاراً تعتبر اليوم أكثر أهمية مما كانت عليه عندما تم تناولها للمرة الأولى، ولذا فعنوان هذا المعرض: لم يتم إنجاز شيء!».