أوضح الروائي عبدالله المفلح أنه اختار عنوان روايته «حكاية وهابية»، الصادرة أخيراً عن المركز الثقافي العربي بيروت، لأنه يعتبره الأكثر تعبيراً عن الرواية، مؤكدا أنه تردد في اختيار العنوان بعد أن وجد معارضة شديدة، من أصدقائه بسبب حساسية المصطلح. وقال في حوار مع «الحياة»، إنه يراهن على وعي الرقيب الإعلامي. ولفت المفلح إلى أن روايته تحكي قصة شخصيات بعضها ما زال متديناً، وبعضها الآخر كان، وبعضها لا زال، لا يدري إن كان متديناً أم لا! إلى نص الحوار: سنحاول تخطي العنوان المباشر، إلى جوهر الرواية وموضوعها الرئيس، فهل سنجد ما هو أبعد من هذا العنوان؟ - الرواية بدأت كفكرة بوح خالصة، إذ بدأت أكتب تجربتي الحياتية منذ الصغر، وحتى وصلت للحديث حول التدين وعوالمه. وحينها بدأت الفكرة تنحى نحو الجدية، وبدأت تنشأ فكرة «الرواية»، ومن أصعب الأشياء في عالم الكتابة تحويل السيرة الذاتية اللصيقة جداً لرواية تمتلئ بالشخوص! ليس هذا فقط بل لرواية يحاول كاتبها إعادة القبض على تفاصيل شخصية مهمة جداً، وإعادة تدويرها بصفتها تعبيراً عن شريحة واسعة كانت تواجه ذات الشروط. على رغم هذا فقد حاولت أن أقف في منطقة وسط بين السيرة والرواية عن الخارج، بل إن من سيقرأ الرواية سيجد أن السيرة في غالب الرواية تختفي لتحل محلها الشخوص، ويستطيع القارئ بذكائه أن يستنتج من عالم الشخوص الأخرى عالم الراوي، وهو سيرته الذاتية. من الصعوبات التي واجهتها أيضاً أنني كنت طوال الوقت أشد حبال طغيان وعيي اليوم، كي لا يعطي أحكاماً بالصحة أو الخطأ على اختيارات بطل الرواية الرئيس، وهي الاختيارات التي حصلت في ظل شروط أصرح، ووعي أقل وظروف أكثر تشنجاً عن اليوم. الرواية باختصار شديد حكاية جيل من خلال ممثلين قلائل لبعض شرائح ذلك الجيل، يحاول كاتبها أن يعطي لتلك الشرائح التي يتكلم الكثيرون باسمها الحق في التعبير عن أنفسهم من دون وكلاء يبيضون صفحاتهم أو يسودونها. في ما يبدو أخذت منك الرواية وقتاً طويلاً، بالنظر إلى أحداثها وأجوائها؟ - قضيت في كتابة هذه الرواية ثمانية أعوام، ولا تظن أن طول المدة يعد برواية رائعة، فلستُ عبقرياً كرامبو أو كافكا لأكتب رواية تفرقع من أول عام ! في ما يخص أجوائها، فهي متنوعة بقدر تنوع الشخوص وحيواتهم، تبدأ من مرقص وتنتهي في مدينة السارد القديمة، وما بينهما تدور الحكاية، ولكل مكان في الرواية تعبيره الخاص، بدءاً من المرقص وانتهاءً بالمدينة القديمة مروراً بأفغانستان والشيشان والعراق والكويت والبحرين. عماذا تحكي روايتك، وهل قصدت منها محاكمة البعض؟ - تحكي قصة شخصيات بعضها ما زال متديّناً وبعضها الآخر كان، وبعضها لا زال لا يدري إن كان متديناً أم لا. تجري حوارات كثيرة وعلى درجة عالية من الصراحة والصعوبة، ويذكر الشخوص من خلال هذه الحوارات قناعاتهم التي يجري في العادة تجاهلها وإسقاطها من الحسبان، أو سوء ترجمتها إعلامياً لأسباب سياسية أو دينية، والرواية ليست محاكمة، بقدر ما هي اعتراف مجاني يقوم به متهمون مطلقو السراح. ألا يمكن أن يكون العنوان خادعاً للقارئ ومحض تسويق؟ - وضعت هذا العنوان لأنني أعتبره الأكثر تعبيراً عن الرواية، لأنه لا يمكن وضع عنوان يعتمد على شخصية واحدة من شخصيات الرواية، وذلك كونها تقوم على شخصيات تشغل حيزاً فكرياً وكتابياً متساوياً. لا أخفيك أني بعد أن وجدت معارضة شديدة للعنوان بسبب حساسية مصطلح «الوهابية»، ففكرت في عنوانين آخرين: أحدهما «المنتكس» والآخر «1990 ميلادي»، لكنني راهنت على وعي الرقيب الإعلامي لدينا، والذي أفترض أنه لا يفسح أو يمنع لمجرد المصطلح. حين وصل العنوان لأحد الأصدقاء وهو من موظفي وزارة الإعلام نصحني بتغييره، حتى قبل أن يقرأ الرواية، والتي ليست في نقد الوهابية على الإطلاق بقدر ما هي تعبير عن «وهابية» واعية وهادئة وغير متطرفة أو متشددة كما هي الصورة النمطية لدى البعض، أما هل العنوان تسويقي أم لا، فبالتأكيد هو كذلك، فلا أحد يضع عنواناً منفراً لروايته، كما أن صاحب البضاعة الجيدة الذي لا يسوق دعائياً تبور بضاعته، والعنوان أحد وسائل التسويق، زد على ذلك ما هو أخطر، فإن استفززت القارئ بعنوان صارخ ومشوِّق ثم وجد أن الرواية ضعيفة لم يُصدِّقك بعدها، ولم يقبل إنتاجك لاحقاً، فصدقية الكاتب تقوم على احترام ذكاء القارئ وتوقعاته. تأخرت في نشر روايتك، ما السبب؟ - لأنني مشغول جداً، فأنا أعمل في وظيفة تتطلب مجهوداً ذهنياً عالياً يستنزفني تماماً، ولم أنشط لمسألة النشر سوى هذا العام بعد إلحاح بعض الأحبة من إخوة وأخوات، ولهم الفضل بعد الله في ظهور هذه الرواية. كنتُ قد نشرت بعض الأجزاء منذ زمن بعيد، لكنني عدَّلت عليها وحذفت منها، ولك أن تتخيل كيف أن عدد صفحات الرواية كانت تتجاوز ال600 صفحة قبل التعديل والحذف. هل تقدمت بطلب لفسح الرواية، كونها صدرت في الخارج؟ - لا، لسببين: قرب افتتاح معرض الرياض الدولي، ولو أني تقدمت بطلب الفسح لتأخر الناشر عن اللحاق بمعرض الرياض. وثانياً فلأن العنوان قد يثير الحساسية لدى الرقيب، فلم أرد إحراجه ولا إحراج نفسي والدخول في متاهة التغيير والحذف، والتي ستستغرق وقتاً يتجاوز تاريخ افتتاح معرض الرياض. تعتبر روايتك مهمومة بالحب، كيف وهي تتحدث عن التطرف؟ - الحب لغة عالمية، يستخدمها الجميع حتى أكثر الناس تطرفاً، وكلما كان الإنسان أكثر حساسية وشفقة وإنسانية كلما كان أقدر على الحب، وأكثر تمكناً من الكتابة فيه، وأعتقد أن أكثر الأشياء تعبيراً عن الحب هي الكلمات.