في عصور مضت كان الذهب والفضة، وأحياناً معادن أخرى ما كان يُسمى ب «غطاء» لما يصدر من عملات ورقية لمن يطالب بدفع ما يساوي المبلغ المدون في متن العملة بما يعادله من ذهب أو فضة حسب قيمة هذه المعادن في الأسواق. أي لكل مليون - مثلاً - مما يصدر من العملات الورقية ما يساوي مليوناً من مبلغ العملة ذهباً وفضة في خزائن البنوك المركزية التي أصدرت العملات. وفي يومنا هذا لا توجد عملة لها غطاء من الذهب والفضة، سواءً كانت صعبة، أي يمكن شراؤها وبيعها من دون شروط، أو رخوة، أي يتعذر تداولها داخل البلد الذي أصدرها من دون تدخل السلطات التي أصدرتها. ولنأخذ مثلاً الريال السعودي. فالريال عملة صعبة، يتم بيعها وشراؤها يومياً من دون أي تدخل من قبل البنك المركزي السعودي (ساما) الذي أصدرها. فما غطاء الريال؟ وهل يتم طبعه (أو إصداره) اعتباطاً؟ إن دور الفضة كغطاء للعملات انتهى منذ قرون. ودور الذهب انتهى منذ صيف 1973. ولكن إصدار الريال السعودي أو طبعه لا يحدث اعتباطاً. فكل ريال يصدر له ما يساوي قيمته من عملات أجنبية أخرى. وموجودات مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) من العملات الأجنبية تكفي لإصدار عشرات أضعاف الكميات المتداولة من الريال حالياً. ولكن هذه قصة أخرى. بإيجاز، بما أن عائدات مبيعات المملكة من النفط ومشتقاته، تأتي، بالدرجة الأولى بالدولار الأميركي، فإن أكبر نسبة من موجودات «ساما» من العملات الأجنبية، التي تقف خلف إصدار الريال، هي في حقيقة الأمر بالدولار الأميركي. ومنذ بضعة عقود، وغالبية ما تحتفظ به أكثرية البنوك المركزية من العملات الأجنبية، هو الدولار الأميركي. ومنذ نهاية الحرب الكونية الثانية، صار الدولار الأميركي تدريجياً هو عملة الاحتياط المفضلة لدى العدد الأكبر من البنوك المركزية التي تصدر العملات الصعبة. والمقصود بعملة الاحتياط ما يقارب ما كان يعرف ب «الغطاء» من الذهب للعملات. والسؤال لماذا أحتل الدولار الأميركي هذه المكانة؟ لماذا لم يكن الجنيه الاسترليني أو الفرنك السويسري أو اليورو حالياً؟ بكل بساطة لأن الدولار الأميركي هو عملة التجارة الدولية. وما هو متداول من الدولار، وعلى نطاق كوني واسع، يساوي عشرات أضعاف أي عملة أخرى. وما دام الدولار الأميركي هو بلا نزاع عملة الاحتياط الأولى، وعملة التجارة الدولية الأهم، فما هي عملة الاحتياط التي تقف وراء إصدار الدولار الأميركي، أو ما هو «غطاء» الدولار، ما دام غطاء الذهب للدولار قد انتهى تماماً منذ صيف 1973؟ الجواب المختصر لا شيء. والجواب الأطول هو قيمة الدولار الشرائية. وما الذي يحدد قيمة الدولار الشرائية؟ يحددها، في نهاية المطاف، الناتج الكلي للاقتصاد الأميركي ومستوى كفاءة الإنتاج الأميركية، بالإضافة إلى مستوى السيولة، أو كتلة النقد من الدولارات الأميركية، في داخل وخارج الولاياتالمتحدة. وما تقدم يعيدنا إلى موضوع الأسبوع الماضي ( 29/1/2013) عن بيع النفط السعودي وبأي عملة؟ وابتداءً نتساءل بأي عملة تسعر دول أوروبية غربية كبريطانيا وهولندا والنروج نفطها؟ جميعها تبيع نفطها وغازها بالدولار، وتسعر بالدولار، وتقبض قيمة مبيعاتها بالدولار. وكذلك الحال بالنسبة إلى جمهورية روسيا الاتحادية وبقية دول الاتحاد السوفياتي السابق. ولذلك من الواضح لكل مراقب ولكل متابع أن تسعير وبيع البترول يحسن أن يكون بالدولار الأميركي، أياً كان موقفه السياسي أو غير السياسي من أميركا. إن الدولار صار ومنذ بضعة عقود عملة مألوفة. وللمألوف دور اقتصادي لا يقل أهمية عن دوره النفسي والاجتماعي. * أكاديمي سعودي