بعد أيام من إعادة الأزمة السياسية المحتدمة في مصر المؤسسة العسكرية إلى قلب الأحداث مجدداً، أظهر تسلم الجيش المصري اربع طائرات أميركية من طراز «أف 16 اس» محورية المؤسسة العسكرية في العلاقات بين القاهرةوواشنطن، خصوصاً أن الصفقة اجتازت تصويتاً على إرجائها في الكونغرس الذي ما زال يرفض الإفراج عن مساعدات اقتصادية سبق أن وعدت بها إدارة باراك أوباما. وأعلنت السفارة الأميركية في القاهرة أمس تسلم القوات الجوية الدفعة الأولى من صفقة الطائرات الأميركية التي تشمل 20 طائرة من المقرر أن تصل خلال عام «تأكيداً لالتزام البلدين المشترك بالأمن الإقليمي». وقالت السفيرة آن باترسون في بيان إن «الولاياتالمتحدة تؤمن بأن مصر القوية هي في مصلحة الولاياتالمتحدة والمنطقة والعالم»، معربة عن تطلعها إلى «أن تواصل مصر دورها قوة للأمن والسلام والقيادة في وقت تمضي منطقة الشرق الأوسط في رحلتها الصعبة والضرورية نحو الديموقراطية». ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في الشارع ضد الرئيس محمد مرسي، اتجهت أنظار القوى كافة نحو الجيش، فاستعان به الحكم لاستعادة السيطرة على مدن القناة، فيما طلبت المعارضة إشراكه ضامناً لأي حوار مع الرئاسة. وبات جنرالات الجيش مهيمنين على تسيير الأمور في مدن القناة، حتى أن محافظ السويس سمير عجلان لم يتمكن من مغادرة مكتبه أمس، إلا في حماية الجيش، فيما أدار قادة الجيش حواراً مع القوى السياسية في بورسعيد والإسماعيلية والسويس لتهدئة تلك المحافظات التي أُعلنت فيها حال الطوارئ، وتسلم الجيش مهام الأمن فيها. وتأتي صفقة الأسلحة جزءاً من برنامج التمويل العسكري الخارجي الذي تبلغ قيمته 1.3 بليون دولار ضمن المساعدات الأميركية العسكرية والأمنية السنوية لتحسين القدرات الدفاعية لمصر، فيما مازالت مساعدات اقتصادية قيمتها نحو بليون دولار مُعطلة في الكونغرس بسبب «عدم الاستقرار السياسي»، إضافة إلى تعثر قرض لصندوق النقد الدولي قيمته 4.8 بليون دولار. وأظهر نجاح الإدارة الأميركية في تجاوز تصويت في الكونغرس على إرجاء تسليم الأسلحة، حرصاً على العلاقات مع الجيش المصري، في مقابل تردد في دعم إدارة الرئيس محمد مرسي بمساعدات اقتصادية على خلفية الأزمة السياسية المشتعلة في مصر. وكانت صحيفة «واشنطن بوست» تحدثت عن «مراجعة» الإدارة الأميركية موقفها من مرسي وجماعة «الإخوان المسلمين» بسبب أعمال العنف الأخيرة التي دانتها وزارة الخارجية الأميركية ودعت إلى حوار جاد بين الحكم والمعارضة، مشيرة إلى أن «عدداً كبيراً من المصريين يشعرون بالإحباط في ما يتعلق بالإصلاح السياسي ووتيرة الإصلاح الاقتصادي». وراوحت الأزمة السياسية في مصر مكانها، فيما دخلت قوى إسلامية موالية لمرسي ولجماعة «الإخوان» على خط الحراك الشعبي المستمر في الشارع وقررت الحشد لإظهار وجود مؤيدين للنظام في مواجهة المعارضة. وتحشد «الجماعة الإسلامية» و «الجبهة السلفية» أنصارهما يوم الجمعة المقبل أمام مسجد رابعة العدوية في حي مدينة نصر القريب من قصر الاتحادية الرئاسي، فيما تدرس جماعة «الإخوان» المشاركة. ولم تقرر قوى المعارضة التظاهر الجمعة، لكنها تدرس تنظيم تظاهرات تتركز في مناطق بعيدة من تظاهرات الإسلاميين تجنباً للصدام. وكانت الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الشرطة تجددت أمس قرب ميدان التحرير، بعدما استمرت المواجهات بين الطرفين أمام قصر الرئاسة طوال ليل أول من أمس. ورشق مئات نظموا مسيرة إلى القصر ب «الأكفان» القصر بالحجارة وألقوا زجاجات حارقة أحرقت بعض أشجار حديقته. وحاول متظاهرون كسر بوابة القصر، فردت الشرطة بإطلاق وابل من قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين لتفريقهم. وظل الكر والفر بين الطرفين مستمراً حتى الفجر. وحملت «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة الرئيس مرسي وحكومته مسؤولية «العنف الممنهج ضد المتظاهرين والاعتداء الجنسي على متظاهرات»، فيما يبدأ مجلس الشورى الذي يمتلك السلطة التشريعية موقتاً ويهيمن عليه الإسلاميون خلال أيام مناقشة قانون تنظيم التظاهر الذي يعطي الشرطة صلاحيات واسعة في فض التظاهرات ومنعها ويلزم المحتجين بالحصول على تصريح قبل خمسة أيام، ما يكرس اعتماد الحكم الخيار الأمني، بعدما رفض تقديم تنازلات سياسية تهدئ الاحتجاجات التي اندلعت قبل أسبوع. ورفضت المعارضة وحقوقيون مشروع القانون، وأكدت أن السلطة لن تتمكن من تطبيقه على الأرض، فيما دافع عنه عضو اللجنة التشريعية في مجلس الشورى القيادي في «الإخوان» صبحي صالح، مؤكداً أنه «سيحد من الجرائم التي تشهدها مصر ويصفها بعضهم بأنها أفعال ثورية». في غضون ذلك، قالت النيابة العامة إن حمادة صابر الذي تعرض للسحل على ايدي رجال شرطة مساء الجمعة غير أقواله واتهم قوات الأمن المركزي بالاعتداء عليه وإصابته بطلق خرطوش. وكان صابر رفض في جلسة تحقيق أجراها معه محققو النيابة، أول من أمس، توجيه أي اتهام للشرطة، بل اتهم المتظاهرين بالاعتداء عليه وأن الشرطة حمته. لكنه عاد وتراجع عن أقواله عندما واجهته النيابة باللقطات المصورة، ليقر بأن «جنود الشرطة هم من قاموا بالاعتداء عليّ وتجريدي من ملابسي وسحلي» أثناء الاشتباكات. وقرر محققو النيابة نقله من مستشفى الشرطة إلى مستشفى حكومي لاستكمال العلاج.