الضربات الجوية التي ساندتها دول عربية تحت قيادة أميركية ونقلت الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) من العراق إلى سورية، زجت بواشنطن في حرب جديدة في الشرق الأوسط وأدخلتها في صراع قضى باراك أوباما رئاسته محاولاً أن يتجنبه. فما من أحد يخامره شك أن هذا التصعيد الكبير ينذر بصراع طويل قد يمتد إلى دول مجاورة وأن القوة الجوية الأميركية وحدها لا يمكن أن تحقق النصر فيه. ويعتقد محللون شاهدوا تنظيم «الدولة الإسلامية» يستولي على مناطق من سورية ويجتاح مناطق كبيرة من العراق أنه من الممكن احتواء هذه الجماعة، غير أن اقتلاعها من جذورها سيكون أمراً عسيراً. ومن الواضح أن واشنطن تتأهب لمعركة طويلة. فقد قال الجنرال وليام مايفيل مدير العمليات في وزارة الدفاع الأميركية إن الهجمات الجوية في سورية هذا الأسبوع ليست إلا بداية حملة لإضعاف «داعش» وتدميرها في نهاية الأمر. وقال فواز جرجس خبير شؤون الشرق الأوسط في كلية الاقتصاد في جامعة لندن: «لم يعد بإمكان أميركا التراجع عن الصراع السوري»، الأمر الذي حاوله أوباما حتى بعد أن تخطى الرئيس بشار الأسد العام الماضي «الخط الأحمر» الذي رسمه أوباما له واستخدم غاز الأعصاب ضد المعارضة والمدنيين. وأضاف جرجس: «مشاركة أميركا المتزايدة ستظل معنا في السنوات القليلة المقبلة حتى بعد رحيل باراك أوباما عن البيت الأبيض». فما تشارك فيه أميركا في سورية حرب سقط فيها بالفعل 190 ألف قتيل وشردت عشرة ملايين شخص من بيوتهم. وتؤيد كل من إيران الشيعية النظام، فيما تدعم المعارضة دول أخرى. وأصبحت سورية مركز جذب للمقاتلين الجهاديين الأجانب الذين اكتسحوا صفوف المقاتلين السنة في السنة الماضية وأعلنوا قيام «دولة خلافة» في حزيران (يونيو) الماضي. * بناء قوات محلية أثارت القسوة التي اتسمت بها أساليب «داعش» من إعدامات جماعية وقتل للمدنيين وقطع رؤوس الأسرى الجزع في مختلف أنحاء العالم وأدت إلى التدخل العسكري الأميركي. وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى إن إضعاف قدرات التنظيم «شرط ضروري للوصول إلى الحل السياسي الذي يريد الجميع أن يراه في سورية». وأضاف أنه ما دام «داعش» يسيطر على «ما يشبه دولة تعادل مساحة الأردن، فإن فرص النتائج السياسية وتهدئة الصراعات تتضاءل على نحو متزايد». ويقول المسؤول الأميركي ومسؤولون آخرون من دول التحالف إن الخطة تقضي أن يتم بالتوازي مع الحملة العسكرية تدريب قوات المعارضة المعتدلة لمحاربة «داعش» والانتشار في الأراضي التي يخليها المتشددون. وفي حين أن إدارة أوباما ضمنت تمويلاً من الكونغرس لتنظيم التدريب في السعودية لنحو خمسة الاف مقاتل من «الجيش الحر» يقول ديبلوماسيون إن سد الفراغ سيستغرق وقتاً من المعارضة المعتدلة التي تقاتل الطرفين حكومة الأسد و «الدولة الإسلامية». وأخر أوباما توسيع نطاق العمليات إلى سورية ضد «الدولة الإسلامية» التي أعلنها جهاديون من السنة متطرفون في العنف أفرزهم تنظيم «القاعدة» واختطفوا انتفاضة الغالبية السنية في سورية على حكم عائلة الأسد المنتمية للأقلية العلوية وانتفاضة الأقلية السنية في العراق. وانتظر أوباما حتى يتخلص الساسة العراقيون وداعموهم في إيران من نوري المالكي رئيس الوزراء الشيعي الذي استعدى بسياساته الطائفية الأقلية السنية وكذلك الأكراد الذين يتمتعون بالحكم الذاتي في شمال العراق وإبداله بحكومة أكثر تمثيلاً للشعب برئاسة حيدر العبادي. ثم عكف على تشكيل تحالف من شركاء عرب سنة ضم السعودية والأردنوالبحرين والإمارات وقطر. * المأزق الأميركي بعد أن بدأت الضربات الجوية على «داعش» يتحول التركيز إلى ما سيحدث من تطورات على الأرض حيث تعهد أوباما عدم نشر قوات أميركية لأنه ما زال يعي تجربة أميركا في كل من العراقوأفغانستان. وحتى عندما بلغ حجم القوات الأميركية 160 ألفاً في ذروة احتلال العراق، لم تستطع الولاياتالمتحدة تحقيق الاستقرار في البلاد لأنه لم يحدث إجماع عراقي على اقتسام السلطة وإنهاء الانقسامات الطائفية. أما في أفغانستان التي سترحل عنها قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) بقيادة أميركا في نهاية العام، يدور النقاش عما إذا كانت الضربات الجوية التي كثيراً ما أسفرت عن خسائر بشرية بين المدنيين قد احتوت حركة «طالبان» أم عززت وضعها. ومن الواضح أن «داعش» طاب له المأزق الذي وقع فيه خصومه. إذ تهكم أبو محمد العدناني الناطق بلسان التنظيم، قائلاً: «أيها الصليبيون لقد أدركتم خطر الدولة الإسلامية. لكنكم لم تعرفوا العلاج ولن تعرفوا العلاج. لأنه لا علاج. فبقتالها تقوى وتشتد وببقائها تزهر وتمتد». على الأرض يتغلغل مقاتلو «داعش» في المدن التي يسيطرون عليها في العراق وسورية مثل الموصل غرب العراق والرقة شرق سورية استعداداً لحرب عصابات ستشمل بعض الغزوات في دول مجاورة. وقال جرجس: «سيعيدون هيكلة قواتهم إلى مجموعات صغيرة ويسيطرون على المدن الكبرى... فلديهم ثمانية ملايين سوري وعراقي رهائن»، مضيفاً أن موقف التنظيم هو «إن كنتم تريدون مطاردتي فستضطرون لقتل عدد كبير من المدنيين». ولأن إمكانيات «داعش» محدودة لا تمكنه من شن هجمات كبرى في الخارج على غرار تنظيم «القاعدة»، يعتقد الخبراء أنه سيهاجم نقاط ضعف الغرب وحلفائه في لبنان وتركيا والأردن ومناطق أخرى بما في ذلك رعاياه وديبلوماسيوه. وقال جمال خاشقجي الإعلامي السعودي البارز ورئيس تحرير قناة «العرب» الإخبارية: «كل الدول الخمس التي هاجمت (الدولة الإسلامية) البحرين وقطر والسعودية والأردن والإمارات أصبحت أهدافاً». وبدأ رد الفعل يظهر بالفعل. ففي الجزائر قطع متشددون رأس رهينة فرنسي لمعاقبة باريس على مشاركتها في الضربات الجوية على «داعش». «لا يريدون عراقاً آخر» يقول محللون ومسؤولون إن الاستراتيجية الأميركية تتمثل في تشجيع القوى الإسلامية للانقلاب على «داعش» ذلك بعرض مشاركتها في السلطة الوطنية وكذلك التحكم في إدارة شؤونها على المستوى المحلي وهذا الأمر يبدو أوضح في العراق منه في سورية. فالهدف في العراق هو إعادة تجنيد العشائر السنية التي أطاحت ب «القاعدة» في إطار «الصحوات» السنية بين عامي 2006 و2008. إذ تعاطف كثيرون من مقاتلي العشائر مع «الدولة الإسلامية» بعدما استعدتهم حكومة المالكي. وتتمثل الفكرة في منح القوى السنية سيطرة محلية على أن ترتبط بحرس وطني يستوعب أيضاً الميليشيات الشيعية التي تتولى إدارة الأمن في مناطقها. وقال مسؤول أميركي في العراق: «ما سيفعله الحرس الوطني في الأساس هو منح وعد للناس في تلك المحافظات. إذا كنتم جزءاً من عملية تأمين أهلكم وعائلاتكم ومجتمعاتكم فستلقون الرعاية من حيث الرواتب والمعاشات وتتمتعون بحياة ومستقبل مستقر لأسركم». أما في سورية، فالمهمة أكثر تعقيداً بسبب المعارضة الغربية لحكومة الأسد. وقال مسؤول في دولة عضو في حلف شمال الأطلسي من أعضاء التحالف المناوئ ل «داعش» إن محاربة التنظيم ستكون أسهل إذا تم عزل الأسد ما يمهد السبيل للتنسيق بين حكومة في ظل قيادة جديدة والمعارضة الرئيسية. وأضاف المسؤول: «الكل بمن فيهم الأميركيون يدركون أن تحقيق تقدم ضد الدولة الإسلامية يتطلب ذهاب الأسد مثلما تطلب الأمر ذهاب المالكي في العراق». وهذا يستلزم التخلص من «حاشية صغيرة» حول الرئيس وأولئك المسؤولين عن أسوأ الفظائع لتظل المؤسسات باقية بما في ذلك الجانب الأكبر من الجيش كمؤسسات لفترة انتقالية في المستقبل. كي يحدث الانتقال لما بعد الأسد يتعين أن يسترد مقاتلو المعارضة المعتدلة زمام الأمور على الأرض. وشدد مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية على ضرورة تقوية مقاتلي المعارضة وقال إن الولاياتالمتحدة لا تستهدف الأسد الآن «لأن المعارضة المعتدلة ليست جاهزة». غير أن الوفاق قبل كل شيء بين القوتين المتنافستين في الشرق الأوسط السعودية وإيران داعمة الأسد وكذلك إبرام صفقة بين طهرانوواشنطن سيهيئان المسرح لاتفاق سياسي. وقال ديبلوماسي غربي: «لو كنت الأسد لانتابني القلق. هناك إجماع على عدم التعامل مع الأسد وأن هذه معركة خاسرة».