يواصل العراق المعاصر تقديم غرائبه إلى العالم، ففيما تتهم سلطاته دولاً وحكومات بعدم التعاون في إعادة ما نُهب من آثار حضارة وادي الرافدين، لا يكاد يمر أسبوع من دون أن تتناقل وسائل إعلام محلية أخباراً عن ضبط مئات القطع الأثرية التي سرقتها شبكات عراقية لتهريبها إلى خارج البلاد. وعوضاً عن وقف هذا النزف المتواصل منذ بدء العقوبات الدولية على العراق بعد غزوه الكويت (1990)، والمتصاعد بعد سقوط النظام (2003)، تنشط المؤسسات المعنية بالآثار في اتهام دول العالم بعدم التعاون وعدم إعادة ما لديها من آثار عراقية منهوبة. واتهمت اللجنة الأمنية في مجلس محافظة ذي قار (تضم نحو 1200 موقع اثري) عدداً من حراس المواقع في المحافظة ب «سرقة الآثار أو التواطؤ مع السارقين». ويؤكد عضو اللجنة جميل شبيب، أن «تكرار عمليات سرقة المواقع الأثرية في المحافظة، يشير الى احتمال تورط حراس المواقع في عمليات السرقة». ويلفت إلى إحباط القوات الأمنية سرقة 83 قطعة أثرية أخيراً، في حين فر السارقون وهم من أهالي المنطقة ذاتها. وأحبطت في محافظة ذي قار (جنوب غرب) سرقة العشرات من القطع الأثرية الاسبوع الماضي، وأعلنت قيادة شرطة محافظة ميسان (جنوب شرق)، ضبط 27 قطعة أثرية معدة للتهريب. الآثار اليهودية ويكشف المدير العام لشرطة ميسان اللواء الركن علي الهاشمي، أن «مفارز قسم الآثار والتراث التابعة لمديريته تمكنت من ضبط 27 قطعة أثرية معدة للتهريب قرب المزار اليهودي في منطقة العزير، بعدما استغلّ «المهرب المتخصص بسرقة الآثار وعورة المنطقة للتخلص منها تاركاً صندوقاً يحتوي على القطع». وكانت آثار المنطقة اليهودية في الكفل جنوب بابل موطناً لعديد من شبكات تهريب الآثار منذ العام 2003، وبعضها بدأ «نشاطه» قبل هذا التاريخ، فقد سُرق أقدم نص مكتوب للتوراة ووصل إسرائيل في العام 2000. ويبدو أن منطقة الآثار اليهودية في العزير (نبي يهودي مدفون على ضفة دجلة الشرقية) ستكون محط أنظار تلك الشبكات التي تتداخل فيها «الأيادي العراقية الخفية» بمثيلتها الأجنبية. وتزخر محافظة ميسان (حيث منطقة الآثار اليهودية الثانية في العراق بعد محافظة بابل حيث الكفل)، بكثير من المواقع الأثرية المنتشرة في مناطقها، إذ كانت مملكة تعاقب على حكمها أكثر من 25 ملكاً، ويحذر رئيس لجنة السياحة والآثار في مجلس محافظة ميسان صباح مهدي الساعدي من استمرار سرقة الآثار وتهريبها في المحافظة، مناشداً وزارة السياحة أن تفي بوعودها بزيادة عدد الحراس المخصصين لحماية المواقع الأثرية، ويعترف بقلّة الحيلة ونقص المعدات. كما تشكو «دائرة آثار ميسان» نقص الآليات والملاكات الوظيفية المخصصة، فضلاً عن قلة وسائل النقل والتنقيب الحديثة المتبعة دولياً في البحث عن الآثار المدفونة منذ آلاف السنين. في حين مازال بعض المواقع الأثرية يتعرض للنبش والسرقة، علماً أن هناك أكثر من 400 موقع في مناطق المحافظة. الجانب اليهودي من التاريخ العراقي يبدو محوراً لنهب متعدد الطرف، فالسلطات في بغداد شنت قبل فترة حملة على نظيرتها الأميركية التي أعادت غالبية الأرشيف الوطني العراقي، لكنها «احتفظت بكل ما يتعلق بالجانب اليهودي منه، ورفضت الإجابة على الطلب العراقي المتكرر بإعادته». وكان السفير العراقي السابق في واشنطن سمير الصميدعي نظم حملة لاستعادة قطع أثرية هربها جنود ومتعاقدون أميركيون اثناء الغزو، ونجح مطلع العام 2010 في استعادة نحو 1046 قطعة أثرية، كما بيعت أسطوانات تعود إلى الحضارة السومرية (3150 سنة قبل الميلاد) في مزاد علني نظمته دار كريستيز في نيويورك. ولم يخف السفير خشيته من وجود أضعاف ما أمكن استعادته، معروضة للبيع في معارض الأنتيكات النادرة والتحف على امتداد مدن أميركية. وطالبت وزارة السياحة والآثار العراقية، الحكومة اليابانية بإعادة عدد من القطع الآثارية التي أعارها إياها المتحف الوطني أيام النظام السابق بموجب اتفاق تعاون، آملة في الاستفادة من الخبرات اليابانية في مجال التدريب والتقصي الآثاري. ونجحت السفارة العراقية في طوكيو في تموز (يوليو) 2012، في استعادة نحو 78 كسرة فخارية تعود إلى موقع تل كبة وصنكر في منطقة حمرين، محفوظة في 15 صندوقاً، استعارها عالم الآثار الياباني هيديو فوجي عام 1982 ولم يُعدها الى بغداد.