اتسمت الأوضاع الميدانية في مناطق المواجهة بين الشرطة والمتظاهرين في مصر أمس بالهدوء النسبي بعد ليلة تفجرت فيها الاشتباكات على نحو غير مسبوق منذ بداية الأزمة الحالية، فيما بدا أنه «استراحة محارب» قبل تظاهرات «جمعة الخلاص» بعد غدٍ التي تعكف قوى المعارضة والحركات الثورية على الترتيب لها من أجل ضمان فعاليتها وتأثيرها. وفي السويس والإسماعيلية وبورسعيد، انشغل الثوار بالتفنن في كيفية مخالفة قرار الرئيس محمد مرسي فرض حظر للتجوال في مدن منطقة قناة السويس الثلاث، حتى إن متظاهرين اعترضوا دورية تابعة للجيش مساء أول من أمس لتطبيق القرار على ضباطها وجنودها. وشهد محيط ميدان التحرير مساء أول من أمس ليلة من الاشتباكات العنيفة بين الشرطة والمتظاهرين سادها الكر والفر بين الجانبين واتسع نطاق الاشتباكات ليشمل منطقة واسعة على كورنيش النيل امتدت من مقر الجامعة العربية حتى سور السفارة الأميركية في حي غاردن سيتي، وتواصلت الاشتباكات حتى الفجر ليسقط عشرات المصابين فيها. وتدخلت قيادات شبابية لدى المتظاهرين لفك أسر ضابط كبير في الشرطة خطفه المتظاهرون خلال هذه الاشتباكات. وبدت المنطقة أمام السفارة الأميركية ساحة حرب، وانتشرت أمام بوابتها الرئيسة الحجارة وبقايا زجاجات حارقة وفوارغ قنابل الغاز المسيل للدموع، فيما اصطفت عشرات من سيارات الأمن المركزي في شوارع جانبية كي لا تتكرر أحداث أول من أمس حين وجدت قوات الشرطة نفسها في حال من الهرج والمرج بعدما هاجمها متظاهرون من شارع جانبي مطل على كورنيش النيل. ومرّ نهار أمس من دون تسجيل اشتباكات عنيفة في المنطقة، فيما تشهد ساعات الليل عادة تفجر الاشتباكات مجدداً. وانعكس هدوء الأوضاع الميدانية على ميدان التحرير الذي سمح المتظاهرون بفتحه أمام حركة المرور جزئياً، وشوهدت سيارات تدخل الميدان للمرة الأولى منذ تفجر الأوضاع من ناحية كوبري (جسر) قصر النيل. وعكف المتظاهرون أمس على تنظيف الميدان وترتيب خيام الاعتصام مجدداً ونصب المنصات استعداداً لاستقبال حشود جديدة في جمعة أطلقت عليها «الصفحة الرسمية لثورة الغضب الثانية» على موقع «فايسبوك» اسم «جمعة الخلاص»، وستشارك فيها مختلف أطياف المعارضة والقوى الثورية. وقال مؤسس «حركة 6 أبريل - الجبهة الديموقراطية» طارق الخولي ل «الحياة» إن «جبهة الإنقاذ الوطني» التي تضم قوى المعارضة الرئيسة «ما زالت تناقش تحرك المسيرات في هذه التظاهرات»، فيما أعلن ناشطو «ثورة الغضب الثانية» تنظيم مسيرات إلى قصر الاتحادية الرئاسي في حي مصر الجديدة تتجمع في أحياء قريبة منه، فيما تتجه مسيرات أخرى إلى مجلس الشورى، على أن تنطلق من ميدان كل محافظة مسيرة إلى ديوان عام المحافظة. وقال الخولي إن حزبه يرتب مع المعارضة لتنظيم مسيرة تنطلق من مسجد الباشا في حي المنيل قرب المقر الرئيس لحزب «الحرية والعدالة» الذي كان مقراً تاريخياً لمكتب إرشاد جماعة «الإخوان المسلمين». ولوحظ تكثيف الإجراءات الأمنية في محيط ديوان محافظة القاهرة بعدما أحبطت الشرطة محاولة لاقتحامه مساء أول من أمس. وانتشرت تشكيلات من قوات الأمن المركزي حول ديوان المحافظة الذي تحطمت بوابته الرئيسة وأجزاء من سوره الحديد. وفي مدن القناة، انتفض الأهالي ضد قرار حظر التجوال، وأصروا على التظاهر ليلاً، في تحدٍّ واضح لهذا القرار، وحشدت القوى الثورية آلاف المتظاهرين للخروج في تظاهرات ليلية وتعمدت محاصرة آليات الجيش المنتشرة في الشوارع والهتاف حولها: «الحظر جيه (أتى)... الحظر أهه». ووصل الأمر إلى حد اعتراض المتظاهرين دورية للجيش ومحاولة منعها من المرور تطبيقاً لقرار الحظر، وظهر في شريط مصور تداوله ناشطون على موقع «فايسبوك» مئات المتظاهرين يحيطون بسيارات الجيش وآلياته ويحاولون منعها من مواصلة السير، ويقولون للضباط: «ألا تعلمون أن هناك حظر تجوال؟». ونظم شبان في محافظات القناة فعاليات أطلقوا عليها «أمسيات الحظر» و «دوري الحظر»، في تندر واضح على هذه القرارات، إذ يتجمعون كل مساء في المقاهي حول أنغام «السمسمية»، وهي آلة موسيقية من تراث مدن القناة، كما ينظمون مباريات لكرة القدم في الساحات العامة للرد على هذا القرار الذي لم يلقَ أي صدى في الشارع. وعلى صعيد الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في مدن القناة، سقط قتيلان في محافظة بورسعيد أول من أمس بينهما لاعب كرة القدم في نادي بورفؤاد محمد كمال الذي أصيب برصاصة خلال الاشتباكات أمام قسم برج العرب في بورسعيد. وأظهرت مقاطع فيديو منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي عمليات قنص تستهدف المتظاهرين، وبدت المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في بورسعيد «حرب شوارع»، فيما ينتشر قناصة على أسطح بنايات ويطلقون الرصاص الحي على تجمعات المتظاهرين. وكانت اشتباكات متقطعة بين المتظاهرين والشرطة أسقطت عشرات المصابين في محافظات مختلفة، خصوصاً في الشرقية وكفر الشيخ، لكن الأوضاع هدأت أمس. حظر «بلاك بلوك» من جهة أخرى، أصدر النائب العام طلعت عبدالله أمراً بضبط وإحضار عناصر مجموعة «بلاك بلوك» ومن ينضم إليها، وتكليف الشرطة والقوات المسلحة «بضبط أي شخص يشتبه في انتمائه إلى تلك الجماعة، وتسليمه إلى النيابة العامة». وظهر في الأحداث الأخيرة أفراد ملثمون يطلقون على أنفسهم «بلاك بلوك» قادوا عمليات اقتحام المقار الحكومية وتصدروا صفوف الاشتباكات مع قوات الشرطة. وقال الناطق باسم النيابة العامة حسن ياسين إن «التحقيقات التي يباشرها المكتب الفني للنائب العام كشفت أن جماعة «بلاك بلوك» هي جماعة منظمة تمارس أعمالاً إرهابية». وأضاف أن «ما ترتكبه تلك الجماعة من أعمال تخريب وإتلاف وترويع للآمنين واعتداء على الأشخاص والممتلكات، يعد من الجرائم الماسة بأمن الدولة المعاقب عليها وفق نصوص قانون العقوبات». ودعا «المواطنين إلى المشاركة في ضبط أي شخص يشتبه في انتمائه إلى تلك الجماعة والتحفظ عليه وتسليمه فوراً إلى أقرب مأمور ضبط قضائي. وعلى كل من لديه معلومات عن تلك الجماعة وما تمارسه من أعمال إجرامية أو أية معلومات عن جرائم أخرى، إبلاغها للسلطات المختصة». وفي ما بدا رسالة تهديد إلى الإعلام المعارض، قال ياسين إن «من يروج لجماعة «بلاك بلوك» ويحسن صورتها بالقول أو الكتابة أو أي وسيلة أخرى، يضع نفسه تحت طائلة القانون باعتبار أن ما ترتكبه تلك الجماعة إنما يمثل جرائم تمس أمن الدولة».