رواحت الأزمة السياسية في مصر في مكانها بعدما قاطعت «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة الحوار الذي دعا إليه الرئيس محمد مرسي، ووضعت شروطاً للمشاركة، داعية إلى تظاهرات الجمعة المقبل. وفيما كان الرئيس يحاور حلفاءه، احتدمت المواجهات قرب ميدان التحرير الذي سقط فيه فجر أمس قتيل، وأحرق متظاهرون مدرعتين تابعتين للشرطة وأسروا ضابطاً بعدما التحم المتظاهرون بالجنود في مشهد سادته الفوضى. وفي خطوة بدت تكريساً للمضي في طريق الخيار الأمني، صادق مجلس الشورى الذي يمتلك السلطة التشريعية على قانون أحالته عليه الحكومة أمس يمنح ضباط الجيش حق اعتقال المدنيين ويسمح لمرسي باستدعاء الجيش متى شاء لمساعدة الشرطة في حفظ الأمن الداخلي حتى نهاية الانتخابات البرلمانية المقبلة. وأقر البرلمان قرار مرسي إعلان حال الطوارئ في محافظات القناة الثلاث بورسعيد والسويس والاسماعيلية. ولم يلتزم المتظاهرون في المحافظات الثلاث بقرار حظر التجوال، وواصلوا احتجاجاتهم التي تخللتها اشتباكات مع قوات الشرطة، لكنها جاءت أقل حدة من تلك التي وقعت خلال اليومين الماضيين. وشيع آلاف من أهالي بورسعيد ستة أشخاص قتلوا خلال مشاركتهم أمس في جنازة عشرات من أهالي المدينة سقطوا على يدي الشرطة أول من أمس. وتوفي أمس 3 من مصابي الاشتباكات المتواصلة في المدينة، وأصيب عشرات المتظاهرين مساء في اشتباكات مع الأمن قرب مركز للشرطة. وانحسر العنف نسبياً في مدينة السويس، فيما استمرت التظاهرات المناهضة لقرار فرض الطوارئ في المحافظة. واشتعلت أمس المواجهات في القاهرة بين المتظاهرين والشرطة على كورنيش النيل قرب ميدان التحرير، ودارت اشتباكات عنيفة عند سور السفارة الأميركية في حي غاردن سيتي القريب، وسُمع دوي إطلاق نار في المنطقة، فيما أطلقت الشرطة وابلاً من القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين. وساد ارتباك وفوضى صفوف قوات الأمن، وشوهد عشرات من الجنود يفرون من أمام المتظاهرين في الشوارع الجانبية، بعدما انضمت مسيرة كانت آتية من حي السيدة زينب في اتجاه مجلس الشورى إلى المتظاهرين على كورنيش النيل بسبب نصب سور خرساني جديد في شارع قصر العيني لمنع اقتراب المتظاهرين من مقر المجلس. وما إن انضمت المسيرة إلى متظاهري كورنيش النيل، إلا واشتعلت الأحداث بعدما تمكنت الجموع من اختراق صفوف الأمن في اتجاه السفارة الأميركية، والتحم المتظاهرون بالجنود الذين فر بعضهم فسادت الفوضى صفوفهم، ليستولي المتظاهرون على مدرعة للشرطة، توجهوا بها صوب ميدان التحرير في مشهد احتفالي وأضرموا النيران فيها وسط الميدان، فيما أحرقوا مدرعة أخرى على جسر قصر النيل. وقال شهود إن إحدى المدرعتين دهست متظاهراً ما أشعل غضب المتظاهرين. وشوهدت حاملة جنود للأمن المركزي تحترق قرب السفارة الأميركية. وظل الضباط يصرخون في الجنود لإعادة ترتيب صفوفهم من جديد، وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت بكثافة لتفريق الجموع، وتمكنت من استعادة السيطرة على المنطقة بصعوبة. سياسياً، أعلنت «جبهة الإنقاذ» التي تضم قوى المعارضة الرئيسة رفضها دعوة الرئيس إلى المشاركة في الحوار الذي يرعاه، معتبرة أنه سيكون «شكلياً وفارغ المضمون... ولا ضمانات لجديته». ووضعت شروطاً للمشاركة في الحوار، أبرزها وقف نزيف الدماء الذي حمّلت مرسي مسؤوليته، وتشكيل حكومة إنقاذ، إضافة إلى ضمانات لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه. وحمّلت الرئيس ونظامه ووزير داخليته «المسؤولية السياسية والجنائية عن إراقة دماء الشهداء والمصابين». وطالبت بخضوع كل هؤلاء للتحقيق. وأكدت أنها «مع الحوار كوسيلة لحل الأزمة التي تكاد تعصف بكيان الوطن نفسه، إلا أنها ترفض الانجرار مرة أخرى إلى حوارات إعلامية شكلية تزيد من غضب واحتقان المواطنين وأهالي الشهداء، ولا توفر حلاً لأي مشكلة من مشاكلهم اليومية والحياتية». وطالبت ب «تشكيل حكومة إنقاذ وطني ولجنة لتعديل الدستور وإقالة النائب العام وتشكيل لجنة قضائية للتحقيق في سقوط الشهداء والمصابين وإخضاع جماعة الإخوان المسلمين للقانون بعد أن أصبحت طرفاً أصيلاً في إدارة البلاد من دون سند شرعي». غير أن الرئاسة تجاهلت شروط الجبهة وواصل مرسي حواره مع حلفائه من التيار الإسلامي وأحزاب صغيرة لم ينضم إليها سوى حزب «مصر القوية» برئاسة القيادي السابق في «الإخوان المسلمين» عبدالمنعم أبو الفتوح الذي طالب هو الآخر بضمانات وخطوات تقاطعت مع بعض مطالب «جبهة الإنقاذ». وفي واشنطن، دان البيت الابيض أعمال العنف في مصر، داعياً السلطات إلى أن تؤكد بوضوح أن العنف غير مقبول على الإطلاق. وقال الناطق باسم البيت الابيض جاي كارني: «ندين بقوة أعمال العنف الأخيرة التي جرت في مدن مصرية عدة. وننتظر من كل المصريين التعبير عن أنفسهم سلميا ومن القادة المصريين تأكيد أن العنف غير مقبول». ورحب بالدعوات إلى الحوار، داعياً المصريين إلى الانخراط في «العملية الديموقراطية».