أحزنني ما جاء في مقالة الكاتب خالد الحروب، «الحياة، 13 - 1 - 2013»، حول السلوك التعصبي للأقلية الإسلامية في كوبنهاغن الدنماركية عشية الاحتفال بأعياد الميلاد، تقول القصة: إن الحكومة الدنماركية بنت منذ الستينات قطاعاً سكنياً هائلاً ليحوي المهاجرين من ذوي الدخول المحدودة، ورويداً رويداً، أصبح المسلمون يتقاطرون على الحي حتى صاروا هم الإثنية الأكثر عدداً، وعلى جري العادة، اعتاد المجلس البلدي للحي على استقطاع جزء من الموازنة السنوية لنصب شجرة الميلاد، غير أن المجلس عجز هذه المرة عن تمرير القرار لاصطدامه بالكتلة المسلمة، بدعوى شح الأموال التي صُرفت من أجل إتمام الاحتفالات بعيد الأضحى! وعندما أبدى رجل أعمال استعداده لتحمل نفقات شجرة الميلاد من جيبه، وقف المجلس ذو الغالبية المسلمة بالمرصاد، بحجة أن المسألة ليست مادة وإنما مسألة مبدأ! أعادتني تلك القصة لمنتصف التسعينات، وذلك حين كنت أدرس في أميركا، كان عدد العرب والمسلمين في تلك المدينة الوادعة المسالمة لا يتجاوز خانة العشرات، وفيما كانت الأيام تمضي رتيبة وهادئة، حطّ بالمدينة هندي مسلم بصحبة عائلته الصغيرة، وبحسب ما نقل إليّ، حظي الرجل بمنحة دراسية من الجامعة لدراسة الدكتوراه، وفوق هذا كانت الصحيفة المحلية تفرد له مساحة ليفتح فيها نيران كراهيته باتجاه الحكومة الأميركية «الكافرة»، دُعي ذات مرة لإلقاء محاضرة تعريفية بالإسلام في إحدى كليات المدينة، فقال للحاضرين في صلافة وجلافة، حينما سُئل عن الإسلام: لو طُبقت الشريعة الإسلامية في هذه البلاد لمشي أكثر من نصف الشعب الأميركي في الشوارع بلا يدين جزاءً لهم وعبرة لغيرهم! وكان هذا المتأسلم لا يفوت أي مناسبة اجتماعية ليملأ رؤوسنا بكلام فارغ عن ضرورة التآزر والتكاتف من أجل إحياء مجد الخلافة الإسلامية التليد حتى نسود العالم ونهزم الغرب الكافر العنيد، من دون مراعاة لمشاعر الأصدقاء الأميركيين الذين كانوا يستمعون إلى كلماته النارية وخطبه العنترية! لا يعتبر نموذج صاحبنا الهندي شاذاً ونافراًً، بل يكاد يكون هو القاعدة والأصل، وذلك بسبب التمدد الأصولي الذي ضرب أطنابه في قلب المجتمعات الغربية، إما بسبب عجز حكوماتها عن دمج الأقليات المسلمة داخل النسيج المجتمعي، أو بسبب رخاوة سياساتها الليبرالية وتعاميها عن استشراف المخاطر الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، جراء التغاضي عن ممارسات جماعات التطرف، وعلى رغم ما يمثله المسلمون من أقلية ديموغرافية، إلا أن العناصر المتطرفة منهم تتحرك بطاووسية وتتصرف باستعدائية وتتكلم باستعلائية، لدرجة أن أحد صناديد الإرهاب وأساطينه، ممن آوتهم بريطانيا من خوف وأطعمتهم من جوع، هدّد بريطانيا وعبر الجزيرة الفضائية بيوم ترفرف فيه رايات الإسلام فوق قصر باكينغهام! إن صمت الغالبية المعتدلة من المسلمين على أفعال مجانينهم ومعاتيههم سوف يسهم في تسعير العصبيات، وتأصيل العداوات، ومن ثم تسويغ عنف الجماعات اليمينية المتطرفة، وساعتها لن يلوم المسلمون إلا أنفسهم. لقد وضع العرب الأوائل أقدامهم في الأندلس قبل قرون خلت، فهل ساط المسلمون المسيحيين سوط عذاب؟ تأمل بعض تلك الصور المبهجة التي جمعها صلاح جرار بين دفتي كتابه «زمان الوصل»، يذكر المؤلف، نقلاً عن مؤرخي الأندلس، أن المسلمين منحوا اليهود والنصارى حرية العبادة وبناء الكنائس والمعابد، فضلاً عن إدراجهم في وظائف الدولة إلى حد اتخاذ بعض الوزراء والكُتّاب منهم، كما احتفى المسلمون بأعياد النصارى أيّما احتفال، مثل عيد ميلاد المسيح، وعيد العنصرة، وخميس إبريل، وعيد الفصح، ففي تلك الأعياد، كان النساء يصنعن الحلوى، والأغنياء يعدون نصبات من الفواكة والحلوى والمكسرات، وطلبة المدارس والكتاتيب يتحررون من دروسهم، وشيوخ العلم يخرجون مع طلبتهم في نزهات ليتناولوا المُجبنات، والرجال والنساء يخرجون مختلطين للفرجة، والولاة ينظمون سباقات للخيل، والبحارة يقيمون عروضاً للسفن، والسلاطين يتلقون التهاني، والشعراء ينظمون القصائد، والناس يتبادلون الهدايا والتبريكات. بقي سؤال يتحرق بداخلي: مادامت أيام المسلمين بالأندلس غارقة بالمفاسد وعامرة بالبدع والمخازي... فلماذا إذن نفاخر بأمجادها ونبكي على زوالها؟! [email protected]