اعتبر قادة الأحزاب والحركات السياسية الناشطة في أوساط عرب الداخل وقادة عرب النقب، أن تصديق الحكومة الإسرائيلية أول من أمس على مشروع قانون «ترتيب توطين البدو في النقب»، الذي يعني عملياً ترحيل عشرات الآلاف من عرب النقب عن أرضهم ومصادرة أكثر من 800 ألف دونم تابعة لهم وإسكانهم في مجمع سكني جديد، «إعلان حرب» عليهم وعلى الجماهير العربية عموماً. وتقرّر تحويل المشروع للكنيست الجديد لإقراره رسمياً وإضفاء الشرعية على «التسوية». ويتضمن البرنامج نقل ملكية الأراضي المصادرة إلى «الدولة»، في مقابل تعويض أصحابها مالياً بمبالغ بسيطة. وترفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الاعتراف بأكثر من 40 قرية في النقب يقطنها أكثر من 90 ألف فلسطيني بداعي أنهم يقيمون على أراضٍ ليست لهم، وعليه تُحرَم هذه البلدات من أبسط الحقوق، مثل مدّها بالكهرباء والماء وإقامة المدارس، ما يضطر الطلاب الى السير على أقدامهم كيلومترات كثيرة يومياً للوصول إلى أقرب مدرسة، الأمر الذي يتسبب في نسبة تسرب عالية من المدارس. كما ترفض الحكومة منح أهالي البلدات رخص البناء، ما يضطرهم إلى البناء من دون ترخيص لتجد الحكومة مبرراً لهدم هذه المنازل. واعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو التصديق على الخطة «قراراً تاريخياً يضع حداً للوضع الراهن، إذ إنه على مدار 65 عاماً (عمر الدولة العبرية)، فقدت دولة إسرائيل السيطرة على أراضٍ كثيرة في النقب نتيجة قيام البدو بالاستيلاء عليها»، مضيفاً أن القرار يضع أيضاً حداً «للبناء غير القانوني» الذي يقوم به البدو في النقب «ويعيد الأراضي إلى ملكية الدولة، وفي الوقت ذاته يؤدي إلى دمج أفضل للبدو في المجتمع الإسرائيلي»، مدعياً أن «هذا القرار الجريء» يفتح الطريق أمام إمكان مواصلة تطوير النقب لمصلحة جميع سكانه. من جهة أخرى، رأى النائب الأول لرئيس الحكومة وزير الشؤون الاستراتيجية موشيه يعالون، أن الوضع الراهن «يخدم المتطرفين الإسلاميين والخارجين على القانون وكل مَن يريد أن يسيء إلى دولة إسرائيل، ما يستدعي تغييره جذرياً». رفض عربي للمشروع وردّ رئيس «المجلس الإقليمي للقرى البدوية غير المعترف بها في النقب» عطية الأعسم، على قرار الحكومة بالتأكيد أنه يهدف إلى مصادرة أراضي البدو ونزع ملكيتهم ويصب ضد مصلحتهم كعرب، مضيفاً أن الوسط العربي كله سيتصدى للمخطط. وتابع محذراً من أن هذا المخطط مدمر لعرب النقب «لأنه يعني ترحيل الآلاف وهدم عشرات القرى هنا». ودعا «لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية» إلى عقد جلسة طارئة «لنخرج بقرار موحد وواضح في خصوص هذا الموضوع الذي يحمل في طياته تداعيات خطيرة». ووجهت أحزاب وحركات سياسية وحقوقية دعوة مماثلة إلى «لجنة المتابعة» لعقد اجتماع طارئ، وأصدرت «مؤسسة النقب للأرض والإنسان» بياناً دعت فيه جماهير النقب إلى التصدي لهذا المخطط «بمواصلة الرباط والثبات على الأرض ومواجهة هذه السياسة بزراعة الأرض وغرسها بأشتال الزيتون واستصلاح الأراضي ودعم صمود القرى غير المعترف بها بالتواصل معهم ومساعدتهم في بناء الخطط وتطوير الاستراتيجيات لمواجهة هذا المخطط وإفشاله». وأكدت المؤسسة أن قبول التعويض المالي في مقابل الأرض «هي الخيانة بعينها، وأهل النقب لن تنطلي عليهم هذه الخدعة التي تسمى النيات الحسنة لحل مشاكل البدو في النقب»، فالنيات سيئة ومخفية للتهجير والتجهيل تحت مسميات برّاقة تهدف المؤسسة الإسرائيلية من خلالها إلى تمرير سياستها العنصرية في النقب». وقال المحامي نضال عثمان من مركز «مركز مساواة»، إن المطلوب من الجماهير العربية في الداخل وقفة نضالية وخوض معركة النقب بكل الاستراتيجيات والآليات المتاحة، و «نضالنا في هذه المرحلة هو العمل على صد المخططات السلطوية الشرسة ضد النقب في المجالات المختلفة، من مصادرة الأراضي ونهبها وهدم البيوت وعزل السكان وإفقارهم وعدم الاعتراف بالقرى واستثنائها من المشاريع الداعمة». وكتب الأستاذان الجامعيان، مدير برنامج «عدالة» في النقب الدكتور ثابت أبو راس ومستشار المجلس الإقليمي للقرى البدوية غير المعترف بها في النقب البروفيسور رون يفتحئيل، مقالاً مشتركاً عن المخطط الجديد، أكدا فيه أن جملة أسباب تستدعي رفض القانون المقترح رفضاً قاطعاً، أولها أن الحل المقترح يتجاهل حقوق الملكية لمعظم البدو الذين كانوا أصحاب أراضٍ واسعة في النقب قبل عام 1948، والقانون الجديد يقصي جميع البدو الذين لا يحتفظون اليوم بأراضيهم، عن إمكان حيازة الأرض. وأشارا إلى أن الحديث يدور عن أكثر من نصف المطالبين بالأرض الذين طُردوا من أراضيهم في غرب النقب في خمسينات القرن الماضي وعن مجموعات معينة أخرى، و «بدلاً من إصلاح الغبن التاريخي، يقترح القانون معاقبة هؤلاء المواطنين مرّتين: المرة الأولى حين طردوا من أراضيهم، والمرة الثانية برفض الاعتراف بدعاوى ملكيّتهم لأرض. وطبعاً، لن يقبل أحد تسوية مسيئة كهذه». وأضافا أنه وفق التقديرات الأولية، يبدو أن البدو لن يحصلوا بموجب التسوية المقترحة في القانون على أكثر من 90-100 ألف دونم، أي أقل من 1 في المئة من أراضي النقب، أو 10 في المئة من مساحة الأراضي التي قدّموا الدعاوى في شأنها «وهذا ما يسمى ضحك على الذقون». والسبب الثاني هو أن الوضع ليس أقلّ خطورة من ناحية التوطين، فبدلاً من التعامل بالاحترام المطلوب مع القرى البدوية، ومعظمها قائم قبل قيام الدولة، فإن مشروع القانون وقرارات الحكومة تطلق عليهم وباستخفاف «الشتات». والسبب الثالث هو أن الترتيب الإداري المقترح «مركزيّ–تحكّمي وليس ديموقراطياً»، وهو على النقيض من مشاريع التخطيط المدنية، إذ سيتولى قيادة تنفيذ الخطة عدد من الجنرالات والضباط المتقاعدين، و «كأن الحديث هو عن عملية عسكرية، وليس عن تخطيط مدنيّ»، فضلاً عن أن اللجنة التي ستبحث الدعاوى التي يقترحها القانون، ستتشكل من خبير قانوني رفيع المستوى رئيسًا لها وأربعة ممثلين عن الحكومة وممثل وحيد عن البدو يعيّنه رئيس الحكومة.