سجلت دول منظمة «أوبك» إيرادات مالية تجاوزت تريليون دولار العام الماضي، وهي أعلى الإيرادات لهذه الدول على الإطلاق. ويرجع ذلك إلى أسباب منها بقاء متوسط سعر برميل «برنت» المرجعي عند 111 دولاراً طوال العام، إلى جانب زيادة معدلات إنتاج النفط الخام لدول المنظمة إلى أعلى مستوياته عند 32 مليون برميل يومياً. وحققت السعودية والكويت والإمارات وغيرها من الدول الأعضاء في «أوبك»، عدا العراق، أعلى إيرادات نفطية في تاريخها، وهي مرشحة لتسجيل إيرادات نفطية أكبر في السنوات المقبلة بسبب الارتفاع المحتمل في إنتاجها والمقدر بخمسة ملايين برميل يومياً بعد سنوات. وتجاوز معدل إنتاج السعودية في بعض الأوقات معدل 10.5 مليون برميل يومياً، متفوقة على دول العالم كلها في الإنتاج. وبلغ معدل إنتاج العالم أكثر من 90 مليون برميل يومياً، فالدول كلها كانت تنتج بأعلى طاقاتها الإنتاجية للحصول على أعلى الإيرادات، عدا إيران التي وصل إنتاجها إلى أدنى مستوى بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليها وتراجع كميات المبيعات إلى الدول الآسيوية. ويصعب حالياً توقع متى ستستعيد دول «أوبك» هذه المستويات من الإيرادات النفطية ذلك بسبب الضعف المرتقب للطلب العالمي على النفط، وضعف أسعار النفط عموماً، وزيادة المنافسة ما بين دول المنظمة، خصوصاً من العراق، حول كيفية ضبط الإنتاج، واحتمال تصاعد هذه المنافسة في حال حلت إيران مشاكلها مع الولاياتالمتحدة، ناهيك عن زيادة إنتاج النفط والغاز الصخريين في أميركا الشمالية. وبلغت إيرادات السعودية 365 بليون دولار، أو 40 في المئة من إجمالي إيرادات «أوبك»، تلتها الكويت والإمارات، بعد زيادة إنتاج الدول الثلاث. وسيذهب صافي الفوائض المالية لهذه الدول إلى صناديق الثروات السيادية التي تعتبَر الكويت رائدة تأسيسها أواخر الخمسينات، والإمارات من أكبر المستثمرين في هذه الصناديق بمبلغ يزيد على 800 بليون دولار تليها السعودية بمقدار 540 بليوناً ثم الكويت بنحو 300 بليون دولار. وساهمت هذه العائدات المالية المتزايدة التي بدأت تتراكم قبل أكثر من خمس سنوات، في تنمية دول المنظمة وتطويرها، لكنها ساهمت أيضاً في زيادة معدلات استهلاك هذه الدول من النفط والغاز بمعدلات عالية ستؤدي حتماً إلى خفض صادراتها الخارجية من النفط وبالتالي إيراداتها المالية. وتستهلك دول المنظمة محلياً أكثر من 30 في المئة من إجمالي إنتاج «أوبك» والنسبة مرشحة لأن تتجاوز 50 في المئة في بعض دول الأعضاء.ونتيجة لهذه الإيرادات المالية الهائلة يكاد يغيب التفكير في إيجاد موارد ومداخل مالية بديلة عنها بعدما باتت تمثّل 93 في المئة من إجمالي العائدات في الدول المعنية، علماً بأن النفط ثروة ناضبة وغير متجددة. وينادي كثيرون في الكويت، مثلاً، منذ منتصف الستينات بإيجاد بدائل مالية أخرى عن النفط، لكن كلما زاد الكلام عن البديل، زاد الاعتماد على النفط ليصل الآن إلى أكثر من 95 في المئة. وفي فترة من الفترات، عنينا عام 1983، كان اعتماد الكويت على عائداتها من الصندوق السيادي أعلى من إيراداتها من مبيعات النفط، وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط وتضاؤل مشتري النفط الكويتي. لكن الاستثمار في الصندوق السيادي لا يوجد فرص عمل أو صناعات محلية جديدة. وهذا يعني بأن تدفقاتنا النقدية ستستثمر في الخارج ليكون غير الكويتيين المستفيدين الأبرز. ولا يبني الصندوق السيادي قدراتنا البشرية، خصوصاً مع استمرار غياب البديل الآخر. أما الاستثمار المالي البحت فقد يكون هو الأفضل، خصوصاً أننا في الكويت نملك بعضاً من أفضل الخبرات في هذا المجال عربياً وعالمياً، خصوصاً في ظل المتابعات والمراجعات الدورية من الجهات الرقابية المختلفة. لن تتكرر هذه العائدات المالية العالية في السنوات المقبلة، خصوصاً في ظل التزايد السنوي المستمر في استهلاك النفط محلياً بمعدلات تفوق ثمانية في المئة. والآن ماذا بعد أول تريليون دولار؟ هل سنحصل على تريليون آخر؟ يجب توخي الحذر من الاستهلاك المفرط والعمل على تنويع مصادر الدخل وحتماً السنة الحالية لن تكون كسابقتها. والبديل بدأ في طرق الأبواب، فها هو النفط الصخري يزدهر في أميركا الشمالية، وهو أحد التحديات الحقيقية. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة - الكويت