لم يستطع مسؤولو الأمن الإسرائيليون أن يحددوا بشكل واضح ما يحدث في دولة فلسطينالمحتلة ما دام غياب عملية سلام ذات صدقية يترك فراغاً كبيراً. قال العقيد الإسرائيلي يانيف ألالوف إن الانتفاضة الثالثة بدأت بالفعل. كان المقصود من تصريحه أن يعكس حالة من عدم الارتياح والاضطراب التي يشعر بها الفلسطينيون في وقت تنغلق فيه بسرعة نافذة الأمل والفرص أمام الشعب الفلسطيني. في حين أن تصريح ألالوف قد لا ينعكس في أي عمل عنفي في الضفة الغربيةالمحتلة، فإنه قد يكون صحيحاً بطرق لم يقصدها الضابط الإسرائيلي. فبينما لا يزال مستوى التعاون الأمني بين الفلسطينيين والإسرائيليين ينتج رقماً قياسياً من أيام هادئة نسبياً في فلسطينالمحتلة، فإن إنتفاضة بشكل مختلف تماماً تشهد النور ومن الواضح أن الإسرائيليين ليسوا مجهزين وغير مستعدين تماماً لها. هناك مزيد من الإشارات التي تدل على أن الانتفاضة الثالثة المحتملة لن تشبه على الإطلاق انتفاضة الأقصى في 2000، بل ستبدو أكثر مثل احتجاجات 1987 والتي أعطت للعالم اسم الانتفاضة. فمؤخراً كانت الأعمال المبدعة والمنضبطة للشباب الفلسطيني غير المنتمي تشبه إلى حد كبير الإبداع الاحتجاجي الذي كان السمة المميزة للانتفاضة الأولى. أحرج هؤلاء الفلسطينيون الشباب أولئك الذين أعلنوا أنفسهم أنهم قادة المقاومة وتحرير فلسطين مستخدمين رواية الكاتب اللبناني الياس خوري «باب الشمس». هذه الرواية االتي أصبحت اسماً لقرية جديدة وأيضاً رمزاً لفجر جديد أخذت القادة الفلسطينيين والإسرائيليين على حين غرة. وفي حين سارع زعماء منظمة التحرير الفلسطينية وكذلك رئيس الوزراء الفلسطيني لتبني الإجراءات الاحتجاحية الجديدة، فإن الإسرائيليين كالعادة استخدموا نفس التكتيكات العنيفة لاخماد احتجاج لاعنفي تماماً. والفرق يكمن في أن الصور كانت تنتشر فوراً في جميع أنحاء العالم معطية «باب الشمس» شرف كونها من بين العشرة الأكثر «هشتاغات» رواجاً عالمياً على شبكة التويتر. ولإثبات أن هذا ليس مجرد تحول لمرة واحدة، فإن الشباب أنفسهم تمكنوا من العودة إلى قريتهم «باب الشمس» الحديثة مجتازين نقطة تفتيش إسرائيلية متظاهرين أنهم جزء من حفل زفاف فلسطيني. كان العريس والعروس حقيقيين يرتديان لباساً ملائماً، وكانت الكاميرات تصور والموكب يمر من نقطة التفتيش ليكشف الهدف الحقيقي ويعلن، مرة أخرى، أن الفلسطينيين يقيمون قريتهم على أرضهم، على رغم تصنيفات أوسلو ووحشية الجيش الإسرائيلي. وبطبيعة الحال، فإن الفلسطينيين يأملون بأن تكون هذه الشجاعة التي أظهرت حديثاً معدية. وفي الواقع، أعلنت فصائل مختلفة، بما في ذلك الفصائل الكلاسيكية مثل فتح، أنها تخطط لإنشاء عشرات، إن لم يكن مئات، من قرى مماثلة. ستواجه إسرائيل وقتاً أصعب بكثير في التعامل مع هذا النمط الجديد/القديم من الاحتجاج. وفي حين أن الفلسطينيين تمكنوا من تحقيق نتائج رائعة خلال الانتفاضة الأولى نظراً الى طبيعتها السلمية، فإن الفرص لتسريع هذه الرؤية اليوم في التواصل الإعلامي، وبالسهولة المتوفرة، أوسع من ذلك بكثير. تتطلب الأعمال اللاعنفية انضباطاً ومثابرة وتحتاج إلى تحالفات محلية وإقليمية ودولية. وهي نجحت عندما ادعى الظالم أنه ليبرالي ومتسامح ويقبل الاحتجاجات السلمية. يمكن للفلسطينيين أن يؤشروا إيجاباً على كل هذه المتطلبات، وأن يحصلوا على نتائج أقوى بكثير ما داموا يرفضون أن يتم استيعابهم في اللعبة السياسية والأمنية الإسرائيلية. إن هؤلاء الفلسطينيين الناشطين ومن خلال اللعب على أرضهم وفقاً لقدراتهم، أظهروا أنه يمكنهم أن يساعدوا في تغيير قواعد اللعبة في هذه العملية وفي جذب الآخرين لاتباع قيادتهم وليس العكس. يمكن ل «فتح» و «حماس» أن يتحدثوا قدر ما يريدون في الفنادق الفاخرة في القاهرة، ولكن كما هو الحال في جميع الصراعات، فإن اللعبة الحقيقية يتم لعبها على ارض المعركة وليس من خلال بيانات صحافية تصدر من الفنادق الفاخرة. * إعلامي فلسطيني