مثلما تخوض فرنسا حرباً في مالي «نيابة» عن كل أوروبا، تخوض معركة أخرى على أراضيها نيابة عن أوروبا أيضاً، هي معركة النمو الديموغرافي. ففي أحدث تقرير عن هذا النمو، حافظت فرنسا، للسنة الخامسة على التوالي، على نسبة إنجاب بلغت أكثر من طفلين لكل امرأة (2.01) ولم تجاريها في هذا الرقم سوى إرلندا، لكن قلة عدد سكان الأخيرة (4.6 مليون نسمة) تجعلها غير ذات تأثير كبير على الصعيد الأوروبي. إلا أن الإحصاءات الأوروبية السنوية لا تدعو إطلاقاً إلى التفاؤل، بل على العكس هي مصدر قلق شديد لغالبية البلدان الأوروبية، وفي مقدمتها ألمانيا البلد الأكبر (81.7 مليون نسمة) التي بلغت نسبة نموها السكاني 1.4 طفل لكل امرأة. وإذا استمر النمو على هذا المنوال، فإن ألمانيا مرشحة لأن يتراجع عدد سكانها بضع مئات الألوف سنوياً. ولن يحل العام 2030 إلا ويكون عدد سكانها تراجع إلى 77.9 مليون نسمة. ويتضاعف القلق الأوروبي مع الاتجاه إلى شرق القارة، حيث تشهد بلدان المنظومة الاشتراكية السابقة انخفاضاً في نموها السكاني، خصوصاً بولندا التي يبلغ عدد سكانها 38.5 مليون نسمة (ثلثي أوروبا الشرقية)، وهو رقم مرشح للانخفاض من الآن وحتى العام 2030 بأكثر من مليون نسمة، إذا لم تنجب كل امرأة بولندية أكثر من1.3 طفل سنوياً. وإذا كان تراجع النمو السكاني له مبرراته الاقتصادية في اليونان (1.4) التي شهدت العام 2011 حوالى 300 ألف عملية إجهاض بزيادة مرعبة بلغت 50 في المئة، وكذلك في إسبانيا (1.3) التي بلغت فيها نسبة البطالة 26 في المئة، وفي البرتغال(1.3) وفي إيطاليا (1.4)، فإن تراجع الإنجاب غير مبرر، أقله اقتصادياً، في كل من ألمانيا وبلجيكا (1.8) وهولندا (1.7) والنمسا (1.4) والدنمارك (1.7). أما بريطانيا، البلد الثالث في أوروبا من حيث عدد السكان (62.5 مليون نسمة)، فحافظت على نمو بلغ 1.9، لكنه من دون سقف طفلين على الأقل لكل امرأة. والسؤال الذي يطرحه خبراء الديموغرافيا هو: هل يكفي الإنجاب الفرنسي والإرلندي لسدّ «العجز البشري» في أوروبا قبل أن تجد الأخيرة نفسها مضطرة، بعد بضعة عقود، للجوء إلى بلدان أفريقية وآسيوية لا يستند فيها الإنجاب إلى مؤشرات اقتصادية؟