«إنها مثيرة يا أبي، أليست كذلك؟» She is sexy, dady, isn't she. فوجئ الأب الأربعيني، العربي المولد، بسؤال ابنه ولم يعرف للوهلة الأولى بماذا يرد. حاول أن لا يُظهر ابتسامة اجتاحت وجهه المذهول، ورد على السؤال بسؤال: «ماذا تعني بأنها مثيرة؟». أجاب الإبن البالغ من العمر خمس سنوات فقط: «أنظر إليها يا أبي - إنها مثيرة!». كرر إجابته بالإنكليزية مراراً وأشار إلى صور ضخمة معلّقة على لوحات إعلانات في شوارع لندن وعلى باصاتها الحمراء لعارضة أزياء سمراء فاتنة ترتدي ملابس داخلية. كانت صورها في الحقيقة منتشرة في كل مكان، وكانت لها بلا شك القدرة على لفت نظر المارة إلى مفاتنها ... والماركة التجارية التي تروّج لملابسها الداخلية. جلس الأب طويلاً وكأنه في صدمة: هل يعرف إبنه فعلاً معنى ما قال عن أن العارضة شبه العارية «مثيرة»؟ كان متأكداً من أن طفله البالغ خمس سنوات فقط ما زال صغيراً جداً ليفهم ماذا قال. ربما كان «يقلّد» رفاقاً له في المدرسة سمعهم يقولون شيئاً بهذا المعنى. لكن هذا يعني، كما بدأ الأب يفكّر، أن الأطفال يتحدثون في ما بينهم بهذه المواضيع التي لا يفهمون بالتأكيد معناها الحقيقي ... فهم ما زالوا في سنتهم الابتدائية الأولى. ما كادت حادثة العارضة «المثيرة» تمر بسلام حتى وجد الأب نفسه في وضع شبيه. فقد كان يجلس بجانب ابنه (5 سنوات) وابنته (8 سنوات) وهما يشاهدان برنامجاً على إحدى القنوات البريطانية المخصصة للأطفال فلفته أنهما صرخا سوية «آه ... شيء مقرف. إنهما يقبلان بعضهما بعضاً على الفم!». كاد الأب يسقط أرضاً وهو يبحث عن جهاز «الريموت كونترول» كي يغيّر القناة بعيداً من مشهد القبلة بين فتاة وصبي بالكاد يبدوان في ال 13 أو 14 من عمرهما. كان الأب العربي متيقناً أن مشهد القبلة على الفم لا بد من أنه مرّ مسبقاً على الرقابة البريطانية الصارمة في خصوص ما يُعرض في برامج الأطفال. وبما أنه غيّر القناة فوراً فإنه لم يتمكن من الجزم بما إذا كان اعتقاده صحيحاً وهو أن المشهد «جزء طبيعي» من برامج توعية الأطفال استعداداً لاقترابهم من سن المراهقة. لكن مشهد القبلة على الفم بين طفلين وقبله صورة العارضة «المثيرة» كانا كافيين ليدرك هذا الأب العربي - الذي يعتبر نفسه «متحرراً» نوعاً ما - أنه ينتمي بلا شك إلى عالم مختلف عن العالم الذي سينمو فيه طفلاه في المجتمع البريطاني، وأن عليه التأقلم مع هذا الواقع ... أو الرحيل. والحقيقة أن القبلة والصورة وحدهما لم يكونا السبب المباشر الذي دفعه إلى التفكير في خيار البقاء أو الرحيل. ما كان يقلقه كان ما يراه من تركيز «غير صائب» من السلطات البريطانية المختصة على البحث عن سبل ل «تسهيل» ممارسة الجنس بين المراهقين بدل الانتظار حتى بلوغهم سن الزواج أو بلوغهم سن الدخول الجامعي. ويقول الأب إنه قد يكون مخطئاً أو «رجعياً» في تفكيره هذا، لكنه «يشعر بالاستياء» عندما يرى المدارس توزّع الواقي الذكري مجاناً على الأطفال المراهقين خشية أن يمارسوا الجنس من دونه ويحصل الحمل من دون قصد. والأنكى من ذلك أن المدارس بدأت الآن توزّع حبوب منع الحمل أو حبوباً أخرى لمنع الحمل بعد ممارسة الجنس (تُعرف ب «حبة صباح اليوم التالي») على الفتيات من دون إبلاغ أهاليهم بذلك. وقبل أيام كُشف في الإعلام البريطاني أن مسؤولين حكوميين مكلّفين إعداد مقترحات عن قوانين جديدة في خصوص «الحريات الشخصية» قدّموا لائحة إلى حكومة ديفيد كاميرون لتبنيها تضمنت اقتراحاً بالسماح للنساء والرجال بالتجوّل عراة في الأماكن العامة من دون مواجهة خطر الاعتقال الممكن أن يطاول الرجال بموجب «قانون العام 1824» وبموجب «قانون النظام العام» بالنسبة إلى النساء. وتضمنت الاقتراحات أيضاً خفض «سن الرشد» الجنسي من 16 سنة إلى 14 بحيث يمكن لمن يبلغ هذه السن ممارسة النشاط الجنسي بلا قيود. ويمنع القانون البريطاني حالياً من هم دون 16 سنة من ممارسة علاقات جنسية تحت طائلة السجن، ولكن القانون لا يُطبّق بصرامة أبداً، إذ تفيد الاحصاءات أن 40 في المئة من الفتية والفتيات في بريطانيا يمارسون الجنس في شكل كامل عندما يبلغون 15 سنة. وربما كان ذلك هو السبب الذي دفع اللجنة الحكومية إلى اقتراح خفض سن ممارسة الجنس إلى 14، وهو الأمر الذي رفضته حكومة كاميرون التي يقودها المحافظون في إئتلاف مع الأحرار الديموقراطيين. وبدأت بريطانيا رفع سن الرشد الجنسي منذ العام 1875 عندما رفعته من 12 سنة إلى 13، ثم عاودت رفعه مجدداً بعد 10 سنوات إلى 16 سنة على خلفية تحقيق صحافي كشف ممارسات شنيعة في حق فتيات «عذارى» في ال 13 من أعمارهن تم «بيعهن» بخمس جنيهات للعمل مومسات في لندن. لم يعد من السهل اليوم، بلا شك، ممارسة مثل هذا التصرف في حق فتيات صغيرات، لكن «المشكلة» هي أن الفتيات والفتية الصغار في المجتمع البريطاني اليوم يجدون أنفسهم مدفوعين رغماً عنهم إلى «النضوج الجنسي» مبكراً. إنها «مشكلة» بالتأكيد لذلك الأب العربي الذي يكتشف يوماً بعد يوم أنه في الحقيقة «رجعي» وليس منفتحاً ... لكنها ليست بالضرورة مشكلة لكثيرين من أبناء وبنات الجيل الجديد الذي ينشأ في هذا المجتمع.