«الهامور» نوع من الأسماك الكبيرة، يتغذى منطقياً على الأسماك الصغيرة، وفق مبدأ «حكم القوي على الضعيف»، انتشر وأخذ شعبيته ونموه الطبيعي في مياه الخليج العربي، يقال إنه كلما زاد وزنه كان لحمه أفضل، ويقولون إنه لا يأكل إلا ما يكفيه، وأميل مع القائلين المتحمسين إنه سمك لا يشبع من تناول الطعام. لهذا النوع البحري اللذيذ حضوره من زاوية أخرى في مجتمعنا السعودي، حضور من زاوية «المسمى»، إذ يوجد على الخريطة المحلية في شكل موجع وصادم وانتشار صامت وبطيء، لكن في هيئة هوامير بشرية أرضية لا حيوانية مائية، و«الهامور» مفردة أخذت نصيبها في الوسط الشعبي للدلالة الساخرة والمحتقنة العامة على من يتناول كل شيء أمامه، ويضع يده على ما يريد ويشاء، وتتضاعف ثروته وحساباته وأرصدته في شكل مفاجئ ومن أمكنة مختلفة. الهامور السعودي هو من يرانا بشجاعة «من الأعلى» ونحن نتابعه «بخوف» من الأسفل، تارة يحدث أن نعرفه عن بُعد أو قرب، وتارة نتخيله مثل الكابوس أو نفاجَأ به حقيقة ماثلة أمام الأعين، ومن أدبنا السعودي الجم وسمو أخلاقنا أطلقنا عليه هذا اللقب، وأزحنا عنه مفردة «السارق»، لأنها ذات نطاق أضيق. هناك وجه شبه وأوجه اختلاف بين هامور «البحر» وهامور «الأرض»، الأول يُهْضَم والآخر لا يُهْضَم، وإن حدث وصدقنا بأن الهامور البحري لا يأكل إلا ما يكفيه، ف«الهامور» الأرضي أو الصحراوي يأكل ما يكفيه ويكفي الجيل العاشر من بعد مماته، ولذا قلت من البدء إنني أميل أيضاً إلى رأي من يصر على أن هامور «البحر» لا يشبع، فيكون الشبه الوحيد الأبرز أن هامورنا أيضاً لا يمل ولا يكل ولا «يشبع»، وطعامه الشهي «الأراضي والمزارع والصكوك والمساحات المزوِّرة وغير المزورة». يتميز الهامور البشري بصعوبة إيقافه، واستحالة معرفة اسمه الثنائي على الأقل، وإن تجرأنا عليه قليلاً كان الأمر الخجول بالتوقيف والسجن الورقي، كما حدث مع أكبر هوامير الأراضي في ينبع الذي حاول تطبيق صك مزور بقيمة 400 مليون على الممتلكات العامة، وجاهَد للاستيلاء والاعتداء على مزرعة مواطن ثم رَفض تنفيذ حكم صادر بحقه. لا يكون الهامور البشري عنيداً إلا لأن برفقته هاموراً آخر يكبره أو يصغره، ولا يصبح رأسه يابساً وصلباً تجاه تنفيذ الأحكام والانصياع للعقوبات إلا لثقته في أن اسمه سيظل حبيس الأوراق، ومحفوظاً في الأدراج. الهامور البحري لا يسمع الكلام وكذلك رفيقه البشري، يتجولان في محيطهما الشخصي بلا رقابة، وعلى صيادهما أن يكون ماهراً حذراً دقيقاً، وقبل كل هذا كبيراً، لأنه لا يوقف الكبار إلا الكبار، ولا يصيد الكبير إلا كبير مثله، وأخاف ألا يكون تمدد الهامور الأرضي كالعقوبة حين يمارس الضعفاء والبسطاء الترف مع هامور البحر، فينتقم «السَمِي» البشري بأكلهم «جهاراً نهاراً» على الأرض. [email protected] alialqassmi@