«للبحر بحارته... وللسمك متذوقيه»... تعكس المقولة السابقة الخاصة بأهالي وسكان ينبع حقيقة تجاذبات أسعار السمك في مدينة أشتهر أهلها بتذوقه ما جعلهم يهتمون بمتابعة تذبذبات القيمة المحكومة ب«حناجر المشترين» في دلالة على كثرة الطلب لنوع من الأسماك، وشباك الصيادين التي كلما ازدادت غنائمها انخفضت الأسعار، وإذا غدر بها البحر غدرت بجيوب المشترين. ووسط ضجيج باعة السمك، وقيمة تقفز من حناجر المشترين إلى أعلى درجات المؤشر، و«دلاّل» يشير بيديه وينتقل ببصره من مشتر إلى آخر، ليرمى غيره على منضدة كبيرة تتابعها العيون في مشهد يتكرر حتى ينتهي إلى إغلاق السوق. حراج السمك أو ما يسمى في ينبع «البنقلة» هي البورصة الأهم في حياة آهالي مدينة ينبع، إذ يتوافدون إليه كل صباح في سباق مع هوامير السوق، والذين هم عادة مندوبو الفنادق، الشقق، والمنتجعات السياحية، والذين يفضلون مرتاديها أسماك سواحل ينبع على أي أسماك أخرى، ما يجعلهم يدفعون الأموال بقيمة أكبر لم يعتادها السكان في سبيل شرائها. وفي المقابل يقف الصيادون بزهو لما تلقاه بضاعتهم التي عانوا في سبيل جلبها إلى السوق كل هذا الترحيب والتنافس، بل إن بعضهم يرى أنها تستحق قيمة أكبر نظير ما يعانونه من مشقة تمتد لأيام داخل بحر مفتوح يتنقلون فيه من مكان لآخر، وتنتهي الرحلة بمحصول لا يتوافق مع حصيلة تعبهم والمشقة التي يجدونها. أوضح المستثمر في مجال بيع وتصدير الأسماك في ينبع ناجي الرويسي أن محافظة ينبع تعاني خلال الفترة الحالية من شح وندرة توفير كميات الأسماك التى أعتادت أن توفرها في السابق، مرجعاً السبب إلى دخول فصل الشتاء الذي تزامن مع قدوم أعداد كبيرة من السياح للمحافظة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأسماك. وأشار إلى أنواع من الأسماك اشتهرت بها سواحل ينبع مثل سمك الصرع، والفارس وبعض الأسماك التى تكون في أعماق البحار، لا يكتمل نضجها إلا في موسم الشتاء. وبين الرويسي أن سوق السمك في مدينة ينبع يعد متكاملاً، إذ يتوافر به مستلزمات الصيد من خلال عدد من المحال التجارية، كونه يجاور مرسى الصيادين، وينطلق منه عدد كبير من قوارب الصيد يومياً، منوهاً إلى أن بعض متذوقي الأسماك يلتقط ما يتم صيده من القارب مباشرة قبل وصوله إلى السوق حتى لا يتم رفع سعره على يد الباعة. من جهته، يرى بائع الأسماك عبدالرحيم البلوي أن تراجع كميات الأسماك في فصل الشتاء يعود لظروف صيادي الأسماك، إذ تتقلص طلعاتهم البحرية بسبب قساوة البرد وتقلب الأجواء. وأكد أن أسعار الأسماك ستعود إلى معدلاتها الطبيعية مطلع شهر ربيع الثاني، وهي فترة انتهاء تكاثر الأسماك، مشيراً إلى وجود عوامل عدة تتحكم في ارتفاع أسعار الأسماك كالتصدير إلى مناطق المملكة الأخرى، والطلبات المتزايدة من الفنادق والشقق المفروشة، وخصوصاً في فصل الشتاء وظروفه الجوية السيئة وما يتزامن معه من كثرة الطلب نظراً للإجازة الدراسية، إذ تشهد المحافظة دخول أعداد كبيرة من السياح القادمين من مناطق ومحافظات مختلفة من المملكة. وبين صائد السمك أحمد الجهني أن الظروف والتقلبات الجوية تسهم في منع الصياد من الإبحار، إذ إن بحر ينبع يعتبر مكشوفاً ما يجعل من برده قارساً، مشيراً إلى أن المبحرين في فصل الشتاء يعدون قلة، وغالبية ما يبحثون عنه سمك «الغزر» الذي يبحث عن الأماكن الدافئة في أعماق البحار، ويتطلب الحصول عليه تحمل الكثير من المصاعب كعمق المجلب وبرودة الجو، ما يسهم في ارتفاع سعره، وغالباً ما يباع من قبل الصياد بسعر معقول، إلا أن الباعة في سوق السمك هم من يتحكموا برفعه بحسب العرض والطلب داخل السوق، إذ لا ينتفع الصياد من بيعه بسعر مرتفع لأن الزيادة في الغالب تصب لصالح أصحاب المتاجر داخل سوق السمك.