تحتاج دول الشرق العربي بعمومه - وبعيداً من الحكومات القائمة حالياً - إلى مؤسسات متخصصة في إدارة أحلامها الكبرى، قبل ذلك مؤسسات ترشدها إلى كيفية بناء حلم، فأحلام الأمم ذات تعقيدات لوغاريتمية عشرية تنتمي إلى عالم الرياضيات الموجبة، وتنتمي إلى مناهج التحليل الرياضي والمعني بمفاهيم النهايات الكاملة والتقارب المنسجم. تصبح علاقة الدولة مع شعبها مثل علاقة عاشق مع حبيبته، وعود حالمة، ولغة اعتذار غير مباشر، مجرد رقصة لقتل أوقات ملل تصيب كل فرد في قلب أو عقل، كذلك رزق، لكل منا عالمه الممل، ضجر، وتأفف، فلا الوعد صادق، ولا الاعتذار واضح. يمتلك كل شعب القدرة على الحلم، بينما يكمن الفرق بين الأمم في حجم السيطرة على أحلامها، ففوضى الأحلام تشبه فوضى الشارع، سلوك غير حضاري، يؤدي دوماً إلى احتقار للذات واستهتار من الآخر، وتصبح حيلة العاجز محصورة في لعبة تلبيس طاقية التقصير، العتب، اللوم لرؤوس غير قادرة على إدارة أحلام بلدانها. تتناثر في بلدان العرب أحلام كثيرة وجميلة، مات منها أجملها، أو حاز فترة حمل أطول بكثير من إقامة جنين الثور في بطن بقرة، ذلك بسبب ضعف قدرات مديري الحلم، أو لقوة فسادهم الإداري والمالي، بينما لا يزال اعتبار الاعتذار سمة نقص، والتوضيح أحد الأسرار. يفتقد العرب القدرة على الرقص بتناسق مع إدارات التنمية، فمطابخهم تشبه غرف العمليات العسكرية، مدفونة في أعماق الأرض، ونكهاتهم سرية جداً، وليس على العربي إلا قبول الوجبة كما هي، أو التضور جوعاً، تكاد تكون التنمية في دياري كصدقات المحسنين على الفقراء، يجب تقديم الدعاء أولاً، ثم تفقدوا صدقاتكم بعد رحيل الواهب بإذن ممتلئة بكلمات الشكر. تأتي المشاريع إلى ديار العرب على شكل ثياب جاهزة، غير مهتم صانعها بمقاييس من يحق له لبسها، ثمة قماش فضفاض يستر العورة، وهذا يكفي، ليس مهماً أحادية المقاييس، أو توافق اللباس مع تضاريس الجسد، الجغرافيا، والتاريخ، ثم عندما تقول «أمري لله» وتلبس الفضفاض القصير يقال لك «أنت غير أنيق»، وعندما تسأل لماذا؟ يكون الجواب «قص من أقدامك الزائد حتى يصبح الثوب مناسباً لك». يستحق كل شبر من ثوب البلاد العربية إلى رقعة، مُدنه وقُراه، وإعادة بناء لأنظمته الحاكمة لشرايين تنميته، فكل ما هو موجود الآن مجرد معزوفة ذات نشاز كبير، لا أُذن تَطرب، ولا رِجل تَرقُص، في معظمه جلجلة، وضوضاء كأصوات مكائن مصنع عتيق لا ينتج شيئاً يسد جوعاً أو يملأ عيناً، ذلك لأن الحلم منساق ضمن موضة الوجبات السريعة، قطعتا خبز وبينهما لحم مفروم، أو كما يقول أصحاب اللغة، شاطر ومشطور وبينهما طازج، فالشاطر سرق بلداً، والمشطور وطن، والطازج شعب لا يزال ينتقل من البدائية الأممية إلى شكل يأمله وعاجز عن الوصول له. البعض غادروا قراهم 20 عاماً متلاحقة، وعندما عادوا لها لم يجدوا فيها زيادة إلا في عدد ساكني المقابر، فأحلام قراهم ليس لها من يُديرها، وقبل ذلك من يكتبها، لا أحد يكتب الوهم، أو ينطق اليأس، كما لا أحد يجيد إدارة حلم ليس له، لأنه سيكون أشبه بمدير دار أيتام، وأيضاً ليس من المتعة أن يعيش أحدنا داخل حلم غيره. يصعب حصد نتائج رائعة من استمرار آليات كتابة أحلام التنمية وتطبيقاتها بالسياق المنصرم ذاته، ويصعب انتظار ولادة المشاريع وفق تقويم تخضع تواريخه لمقاييس وجود الأمانة من عدمها، وتفتيت المواصفات من مقاييس عالمية إلى «يا عمي سويها بأي حاجة»، وذلك معناه شلل للبلاد والعباد. يحلو التكرار: أحلام الشعوب منبعثة من حاجاتها، وليس من رفاهية صناع القرار، أرجوكم أرجوكم امنحوا أحلام الشعوب سمعاً، يمنحوكم شعوباً أفضل. [email protected] @jeddah9000