يقول «ساي» الشهير حول أسلوبه الغنائي «لباس راقٍ، ورقص مبتذل»، وهي معادلة قاتلة يمارسها سكان كويكبات الفساد المالي في كل أرجاء الكرة الأرضية، لا أحد يقول إن خريطة الديار السعودية جزء من المريخ، فكل أباطرة الفساد المالي، كذلك الإداري، يرتدون أزياءً راقية، ويرقصون مع الشيطان. جاء الكوري الجنوبي «ساي» إلى كوكب الأرض، بعد أن بلغ 34 عاماً، على متن أغنية منفردة حققت مشاهدة على «يوتيوب»، يكاد يصل عددها إلى البليون، وتحولت إلى ظاهرة عالمية، عدا عند جارتها اليابان، وذلك لأسباب تتعلق بحرب قديمة، وصراع ثقافي بين البلدين، لكن «أوبا أوبا قانقنام ستايل» أصبحت ذات شهرة، لدرجة أن نسختها السعودية تم تطبيقها بلباس سروال أبيض طويل وفانيلة، مع الاستعانة بالشماغ لإخفاء ملامح معجبيه. يخترق العاصمة الكورية سول نهرُ «قانق»، بينما «نام» تعني جنوب، إذن الحكاية تدور في الضفة الجنوبية من النهر، وهي غابة آباء أثرياء، وأبناء «فافي»، يعيشون في المساحة المتاحة بين نمو شركات عائلية على أيادي آباء شطار، وتبديدها على أيادي أبناء أغبياء، ومهوسون بملاحقة الموضة، أو صناعتها. يوجد في كل عاصمة خليجية «قانقنام ستايل» وضفة ثرية، فمجموع الشركات العائلية الكبرى مهول جداً، تمتلك العائلات أرصدة أكبر بكثير من الحكومات، ثقب أسود يبتلع ثروات البلاد والعباد، ومعظم قادة الشركات العائلية يلبسون برقي، ويرقصون على موسيقى تنمية الوطن بابتذال كبير، يملكون نظريات للتمنية بشرط أن تكون أرصدتهم البنكية أولاً، ثم الوطن عاشراً. تعني «قانقنام ستايل»، عندما تكون جزءاً من عاصمة، وفق رؤيتي البسيطة، اتساعاً كبيراً للهوة الفارقة بين غالبية كادحة، وأقلية فاحشة الثراء، هذا الالتقاء يشبه تجاور شاطئ صخري مع بحر خامل، مساحة مثالية لنمو طحالب المجتمع، وبيئات الخلل الاجتماعي الساقي لمعدلات الجريمة، كذلك جيل ضائع لا يجد فرصته على أرض الوطن ولا في شركات كبرى تحقق أرباحاً فلكية. يحتاج الترحيب بوجود ضفاف ثرية في مدننا شائع إذا تم إعادة صياغة سياسات إدارة أموال الزكاة، بحيث تكون زكاة أثرياء كل مدينة لفقرائها، حينها يخف الحنق كثيراً، يصبح الأثرياء بررة، والفقراء أكثر حكمة من فقراء بني إسرائيل عندما شاهدوا قارون بزينته، وإلى حين يتاح للأثرياء - السعوديين خصوصاً - تحقيق مشاركة أكثر أماناً لهم ووضوحاً على الأرض، فإن «قانقنام ستايل»، والضفاف الثرية في مدننا تحتوي أناساً معزولين عن الوطن يستطيعون شراء كل ثمين، عدا أحقية الانتماء للوطن، أقول ذلك لأن ثمة قلة من أثرياء يأملون بأن يتاح لهم تنفيذ مشاريع خادمة لمجتمعات يعيشون بها، وتمنحهم قيمة اعتبارية أكثر من مجرد كلمة «ملياردير». يتشابه شعب كوريا مع العرب، بكونهم قبائل وأعراقاً، يقدس أفرادهم مفهوم العائلة وتطبيقاته، لكنهم يعيشون تحت مظلة اقتصادية عالية وراقية، حققت لهم بيئات للنجاح الفردي والجماعي، وتحولوا تحتها إلى نمور صناعة وتجارة، اختاروا أن يمارسوا امتداداً لحربهم مع اليابان على ساحات التصنيع، باتوا يقدمون جودة أكثر من الصين بسعر أقل من المنتجات اليابانية، ولو تحقق لنا مظلة مماثلة تم إيجاد علامة «صنع في السعودية» على منتجات عالمية. أتى «ساي» بأغنية وكلمات عاطفية تتحدث عن شاب يعوّل على أفكاره أكثر من رهانه على عضلاته، محاولاً لفت انتباه فتيات العائلات الثرية، مؤكداً في أغنيته بأنه مجرد شاب يشرب قهوته بسرعة، ولا يملك إلا قلباً يتفطر كل مساء، يبحث عن فتاة أحلامه، مشترطاً أن تكون أكثر دفئاً من قدح قهوته، ها هنا الرجل لم يطلب مستحيلاً، لكن من الصعب اعتبار هذه الكلمات، أو طريقته في اللباس والرقص، سبباً مباشراً لشهرة عجزت عنها كل حناجر العرب، ربما كان الخيط الاجتماعي أكثر من العاطفي تفسيراً لغزوة «قانقنام ستايل». [email protected] @jeddah9000