أشعل مقتل 19 مجنداً في حادث قطار في مصر أمس الغضب ضد الرئيس محمد مرسي وجماعة «الإخوان المسلمين» قبل أيام من الذكرى الثانية للثورة التي تعتزم المعارضة التظاهر فيها لإسقاط الدستور الجديد، فيما تطالب قوى ثورية بتحويلها مناسبةً ل «إسقاط النظام» كله. وقتل أمس 19 مجنداً وأصيب أكثر من 100 آخرين بعدما انفصلت عربتان من قطار كان يقل نحو 2800 جندي من صعيد مصر في الجنوب إلى القاهرة للانضمام إلى معسكر لقوات الأمن المركزي لتأدية الخدمة العسكرية. وانفصلت العربتان الأخيرتان من القطار المُسرع المكون من 12 عربة عند مدينة البدرشين قرب القاهرة بعد منتصف ليل أول من أمس، لتصطدما بقطار بضائع كان متوقفاً في الجهة المقابلة، فانقلبتا مرات عدة قبل أن تستقرا على عشرات القتلى والمصابين الذين تطايروا من نوافذ العربتين، في مشهد دام اعتاده المصريون في حوادث القطارات التي طالما تكررت بسبب الإهمال. وكان التقرير الفني عن حادث قطار أسيوط الذي راح ضحيته أكثر من 50 قتيلاً غالبيتهم أطفال في تشرين الأول (نوفمبر) الماضي، أوضح أن القطار المنكوب لم تتم صيانته منذ دخل الخدمة قبل أكثر من 32 عاماً، وأن قضبان القطار لم تجدد منذ تركيبها قبل أكثر من نصف قرن. وأمرت النيابة العامة بحبس سائق قطار البدرشين، كما سبق أن أحالت عاملين على المحاكمة الجنائية في حادث قطار أسيوط، فعادة ما يتحمل العمال أو السائقون مسؤولية هذه الحوادث، ما دفع عمال السكك الحديد إلى التظاهر والاعتصام أمس في محطة القطارات الرئيسة في القاهرة لرفض هذا النهج في التعامل معهم، كما رفض رئيس مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) أحمد فهمي تقديم صغار العمال «كبش فداء» لحوادث القطارات. وتكرر مسلسل انتقال رئيس الوزراء والوزراء والمسؤولين إلى موقع الحادث لتفقده، وزيارة رئيس الجمهورية المصابين والإعلان عن تعويضات مادية لأهالي القتلى والمصابين. وأظهرت لقطات فيديو بثتها مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، مشاهد مرعبة لإنقاذ ضحايا الحادث، إذ اعتمد سكان المنطقة على أدوات بدائية لسحب الجثث والمصابين من أسفل عربتي القطار وسط ظلام دامس سيطر على المنطقة كلها وصرخات واستغاثات من المصابين. وذكرت وسائل إعلام محلية أن القطار ذاته كان توقف في محافظة المنيا بسبب عطب أصابه، وأبدى الجنود رغبة في عدم استكمال الرحلة فيه، لكنهم أُجبروا على استقلاله مجدداً. وشكلت وزارة النقل لجنة من أساتذة الجامعات والسكك الحديد لتحديد أسباب الحادث وأوجه القصور، بهدف اتخاذ الإجراءات اللازم اتباعها لرفع السلامة في السكك الحديد وكذلك محاسبة المتسببين بالحادث. واجتمع مرسي مع رئيس الوزراء هشام قنديل ووزير النقل حاتم عبداللطيف الذي تسلم منصبه قبل أيام في أعقاب استقالة وزير النقل السابق رشاد المتيني بعد حادث قطار أسيوط وخلو منصب الوزير حتى إجراء التعديل الوزاري الأخير. وانتقل فريق من النيابة العامة إلى موقع الحادث لمباشرة التحقيقات، وعاين القطار وموقع العربتين المنكوبتين، وقررت النيابة تشكيل لجنة فنية لمعاينة القطار للوقوف على أسباب الحادث وآثاره، كما عاينت جثث القتلى واستمعت إلى أقوال المصابين. وتحفظ فريق المحققين على دفتر حركة القطارات في محطة أسيوط (جنوب مصر) التى غادر منها القطار. وسارعت القوات المسلحة إلى التبرؤ من الحادث بعدما تردد أن القطار الذي كان يقل الضحايا «قطار حربي». وقال الناطق باسم الجيش العقيد محمد علي إن القطار المنكوب «ليس قطاراً حربياً بل هو قطار مدني مخصص للركاب يتم استخدامه بالتنسيق مع وزارة النقل لنقل الجنود أثناء الترحيلات»، مضيفاً أن «القوات المسلحة لا تدير أعمال تسيير مثل هذه القطارات، والجنود المرحلون في القطار المنكوب هم من مجندي الأمن المركزي التابع لوزارة الداخلية». وزار رئيس الوزراء موقع الحادث، وكذلك فعل وزراء الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي والداخلية محمد ابراهيم والنقل. وزار قنديل والسيسي وإبراهيم المصابين في مستشفى المعادي، وأعلن قنديل تعويضاً ماليا بلغ 30 ألف جنيه لأسرة كل ضحية. وزار الرئيس مرسي المصابين في مستشفى المعادي العسكري الذي نقل بعضهم إليه بعدما ظهر عجز مستشفى البدرشين عن إنقاذهم بسبب ضعف التجهيزات، فتفرق المصابون على مستشفيات عدة. وأقلت مروحية مرسي إلى المستشفى الذي يخضع فيه سلفه حسني مبارك للعلاج. وقال في نهاية جولته إن «النيابة العامة تتولى التحقيق في الحادث، وسيتم محاسبة المقصرين والمسؤولين أياً كانت مناصبهم والقانون سيأخذ مجراه». ووصف الحادث بأنه «مصاب للمصريين جميعاً»، معرباً عن تعازيه لأهالي الشهداء والدعاء للمصابين الذين كانوا في طريقهم لأداء واجبهم في خدمة الوطن. وأشار إلى أن ما تم إقراره من مساعدات مالية من الجهات الحكومية لأهالي الشهداء والمصابين هي «إجراءات سريعة للتكافل مع الأهالي وليست تعويضاً عن أبنائهم»، مشدداً على أن «الدولة على استعداد كامل لعلاج كل المصابين في أكبر المستشفيات في مصر، بل وسفر من تستدعي حالته العلاج في الخارج». ورداً على سؤال عما إذا كان واجباً عليه وهو في مستشفى المعادي العسكري أن يزور مبارك بدافع إنساني، قال مرسي: «مصابنا اليوم كبير ومتابعة الحادث والمصابين يأخذ كل اهتمامنا». وتظاهر عشرات أمام المستشفى العسكري أثناء زيارة مرسي له، ورددوا هتافات مناهضة له، منها «ارحل»، وسط تواجد أمني مكثف. وأظهر أهالي منطقة البدرشين التي شهدت الحادث وأهالي القتلى غضباً عارماً تجاه المسؤولين الذين توجهوا إلى موقع الحادث، وظلوا يرددون: «ارحل... ارحل»، ما يشير إلى أن هذا الحادث سيزيد من زخم التظاهرات المقررة في 25 كانون الثاني (يناير) الجاري في الذكرى الثانية للثورة والتي يرفع بعض القوى فيها شعار «إسقاط النظام». كما عبر المجندون الناجون الذين كانوا على متن القطار عن غضبهم، وتجمهروا أمام القطار وظلوا يرددون: «يا نجيب حقهم يا نموت زيهم». وأوقف الأهالي الغاضبون حركة سير القطارات وقطعوا شريط السكة الحديد في أكثر من موقع، احتجاجاً على الإهمال الذي قتل الضحايا. وشهدت محطة القطارات في الإسكندرية (شمال مصر) اشتباكات عنيفة بين قوات الشرطة ومتظاهرين نظموا وقفة احتجاجية على خلفية الحادث، إذ تحدث ناشطون عن توقيف الشرطة 11 من زملائهم، كما هاجم بلطجية المتظاهرين بالحجارة ما أجج الموقف ودفع الحشود الغاضبة إلى قطع شريط السكك الحديد فتدخلت الشرطة وأمطرتهم بوابل من قنابل الغاز المسيل للدموع. وفي ردود الفعل، انتقد المنسق العام ل «جبهة الإنقاذ الوطني» زعيم المعارضة محمد البرادعي «طريقة قيادة مرسي للبلاد». واعتبر أن «مأساة مصر ليست في انتماء من يحكم، وإنما في غياب القدرة على إدارة البلاد»، مشيراً إلى أن «مفاصل الدولة تتآكل والفشل يزداد والشعب هو الضحية ومصر تركع كل يوم». من جانبها، تقدمت جماعة «الإخوان» بالتعازي لأهالي «الشهداء» والمصابين في الحادث. وقالت في بيان: «مع تكرار هذه الحوادث واستمرار مسلسل إراقة دماء المصريين على قضبان السكك الحديد، نناشد جميع أجهزة الدولة أن تتعاون في ما بينها لإجراء تحقيقات موسعة لمعرفة سبب الحادث ومَن المسؤول عنه ومحاسبته». وطالبت المسؤولين ب «وضع تصور واضح ومدروس للعمل على منع هذه الحوادث في المستقبل، من خلال تقديم دراسة شاملة وخطة واضحة تعرض على الشعب من خلال مؤسساته. وتوضح الإجراءات التي ستتخذ لرفع كفاءة السلامة والأمان بهذا القطاع الحيوي».