خرج حازم صاغيّة في مقاله الموسوم «نحن وأميركا: سوء فهم تاريخيّ» المنشور في «الحياة» الصادرة في 5/1/2013، بنتيجة بسيطة وصحيحة مفادها الآتي: «شيء واحد يمكن الجزم فيه، هو أن مصلحة الطرفين، شعوبنا والغرب، لا سيما الولاياتالمتحدة، تكمن في التقارب والتلاقي، إن لم يكن خدمةً لأغراض اليوم فخدمةً لأغراض الغد بالتأكيد». وكانت هذه النتيجة وما زالت تشكل مسلّمة أولية لدى البحث في العلاقة بين العرب وأميركا، لكن خريطة الطريق نحو خدمة أغراض الغد مفقودة ودونها متاهة من الخرافات والأساطير والعقد النفسية المصحوبة باستلاب بالحلم الأميركي يقود إلى وضع 99 في المئة أو كل أوراق حل مشاكلنا وأزماتنا بيد الولاياتالمتحدة، على الطريقة الساداتية التي قادت الأمور في الشرق الأوسط إلى ما هي عليه الآن. وبالنظر إلى حقائق التاريخ والسياسة المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، التي عرفت عبر التاريخ صعود امبراطوريات محلية وخارجية وأفولها، من جهة وسجل التدخلات الأميركية في الشرق الأوسط التي ترجع إلى نحو قرن من الزمن، وتأسست على دراسات استشراقية، لا يمكن رد أسباب حالة التوتر أو التوجس المتبادل إن لم نقل الكراهية المتبادلة في العلاقة بين العرب وأميركا إلى عقد نفسية وسوء فهم وحرج ذاتي. بل هي نتيجة طبيعية لقصور كبير في فهمنا لذاتنا والآخر ممثلاً بالغرب وعلى نحو خاص الولاياتالمتحدة. وتقود قلة فهم الذات إلى حالة من العجز تقود الى استجداء الآخر والاستقواء به في آن. ويضعنا سوء إدراكنا للآخر إلى الاستسلام لنظرية المؤامرة ومفاتنها، حيث يسوّق اعتقاد مفاده أن الغرب وعلى نحو خاص أميركا شر مطلق أو «الشيطان الأكبر». وعلى طريقة موازية للعنات آيات الله وملالي إيران تخرج دعوات «قاعدية» لإنتاج غزوات جديدة على غرار «غزوة مانهاتن» مصحوبة بإعادة «فتح» بلاد الشام وبلاد الرافدين ومصر وبلاد المغرب العربي الإسلامي و «أسلمة» شعوبها لمحو آثار «الصليبية الأميركية» ووضع نهاية لتاريخ الحروب الدينية والمذهبية والطائفية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط. وثمة وجه آخر لقلة فهمنا لأميركا، يتمثل في التماس شتى الأعذار لصانع القرار السياسي الأميركي الذي ينفذ سياسة خارجية من إنتاج تل أبيب واللوبي الصهيوني الذي نجح في أسرلة أميركا وجعلها أداة لخدمة أطماعه ومخططاته الشريرة. ولذلك لا بد من اتباع أو اعتماد أحد الخيارين التاليين: إما «تحرير» أميركا من إسرائيل قبل تحرير فلسطين، وبواسطة لوبي عربي أو إسلامي يشتري الكابيتول والبيت الأبيض بصفقة تاريخية تجسّر «الهاوية المالية» الأميركية، أو تقديم تنازل تاريخي لإسرائيل يتيح للعرب من المحيط إلى الخليج دمقرطة مجتمعاتهم وتحديث نظمهم السياسية. ومن جهتها ووببراغماتية مبتذلة، وليس سوء فهم تاريخياً، تبارك إدارة أوباما صعود قوى الإسلام السياسي إلى سدة السلطة في عدد من البلاد العربية لكونها، وفق الفهم الأميركي، قوى جماهيرية معتدلة بعيدة من التطرف والفاشية سيقدر لها إعادة إنتاج النموذج الإسلامي التركي الأردوغاني أو الأربكاني، وليس الماليزي المهاتيري، واحتواء التيارات السلفية المتنورة أو الظلامية. ووفق تبرير الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في مقابلة مع الإعلامية لميس الحديدي ضمن برنامج «هنا العاصمة» على قناة «سي بي سي» المصرية، «تدور رؤية الولاياتالمتحدة للشرق الأوسط منذ الخمسينات حول فكرة أن لا حل لهذه الدول سوى الدين، لأن الدين هو القاعدة التي يقوم عليها كل شيء»، أي رؤية جون فوستر دالاس (وزير الخارجية الأميركي السابق) الذي يعتقد أن «المبادئ التي تعيش عليها الدول العربية هي الموروث الديني وليس الديموقراطية». ولا تمثل رؤية دالاس اكتشافاً بحد ذاتها بل بوصلة توجه السياسة الخارجية الأميركية الشرق أوسطية نحو أفضل السبل لاحتواء متطلبات شعوب المنطقة، ومنها «أمركة الإسلام» أو تسويق «إسلام البيزنس». * كاتب سوري