خطت الولاياتالمتحدة خطوة كبيرة في نظرتها الى النزاع العربي - الاسرائيلي وكيفية معالجته. لقد انهت عقودا من الالتصاق الكامل بالموقف الاسرائيلي. وبدأت ترى ضرورة للنظر في المطالب العربية، اي الطرف الآخر في النزاع. وربما للمرة الاولى، في تاريخ التعاطي الاميركي مع نزاع المنطقة، عبّر الموفد الرئاسي جورج ميتشل عن حقيقة لفت إليها العرب منذ عقود. وهي ان السلام في الشرق الاوسط مصلحة اميركية، وان المبادرة العربية هي إحدى ركائز هذا السلام. وبذلك تكون ادارة الرئيس باراك أوباما قد اقتربت اكثر من اي وقت مضى من مفهوم شامل للسلام، يتجاوز أمن اسرائيل وحمايتها الى الأخذ في الاعتبار مطالب العرب في تحرير ارضهم وقيام دولة فلسطينية. لقد التقطت اسرائيل معنى هذا التغير الكبير في الموقف الاميركي. فهي فهمت ان ادارة اوباما منكبة على بلورة هذه الاستراتيجية، وانها في صدد التحرك على اساسها، وانه لم يعد من المفيد تمويه طبيعة النزاع بافتعال تهديدات وهمية (ارهاب، ايران الخ...) او حملات للوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة. فالرسالة الاميركية كانت واضحة، عبر محادثات ميتشل مع المسؤولين الاسرائيليين وعبر نصائح مسؤولين اميركيين في مقدمهم كبير موظفي البيت الابيض رام صموئيل، ومفادها ان لا عودة عن حل الدولتين والارض في مقابل السلام، وان العلاقة بين البيت الابيض والحكومة الاسرائيلية ترتبط بموقف الاخيرة من النظرة الاميركية الجديدة الى النزاع. ويُفهم من التسريبات الى الصحافة الاسرائيلية ان حكومة نتانياهو باتت تدرك حدود القدرة على المناورة في هذا المجال، وباتت خياراتها محصورة في كيفية اخراج موقف لا يضر بالعلاقة التاريخية مع الولاياتالمتحدة التي باتت صاحبة مصلحة في السلام. بالتأكيد يصعب الرهان على مجابهة اميركية - اسرائيلية. وبالتأكيد ستسعى واشنطن الى اعطاء اسرائيل ضمانات كثيرة امنية واقتصادية واجرائية. لكن الأكيد ايضا ان هذه الضمانات لم تعد بالضرورة على حساب اصحاب الارض المحتلة والعرب. لقد بات هذا الأمر مرتبطا بكيفية التعامل العربي مع التغيير الحاصل في السياسة الاميركية ازاء المنطقة. وقياسا الى سلوك الرئيس اوباما وادارته في اميركا اللاتينية، لمناسبة قمتها الحالية، لم يعد مستبعدا توقع قرارات مفاجئة من واشنطن، تستند الى نقد التجربة السابقة، كما حصل بالنسبة الى جاراتها في الجنوب، خصوصا كوبا. اي ان وعود اوباما في المنطقة الاكثر حساسية لواشنطن بدأت تأخذ طريقها الى التنفيذ، ما دام الطرف الآخر قادرا على التحرك في اتجاهها. ويصح الاستنتاج نفسه على ايران التي لم تعد المقاطعة والعقوبات اللغة الوحيدة المستخدمة معها لوقف برنامجها النووي العسكري. لا بل تقترح واشنطن عليها حوارا مباشرا وغير مشروط، يأخذ في الاعتبار المصالح الايرانية المشروعة. لا شيء، حتى الآن، يدعو الى استثناء النزاع العربي - الاسرائيلي من هذه المراجعة الاميركية. ويمكن الرهان على ان هذه المراجعة فرصة ثمينة من اجل دفع عملية السلام، في حال تمكن العرب من الاستفادة من الاقتراب الاميركي من مطالبهم، ومن الانخراط في العملية السياسية على اساسها. وهذا ما يبدو ان العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني سيسعى إليه في أول لقاء قمة عربي - اميركي في واشنطن، بعدما كان سمع ميتشل في العواصم العربية التي زارها كلاما مماثلا يشدد على الاستعداد العربي للسلام وفق المبادرة العربية. لكن هذا التفاؤل الحذر لن يصل الى نتائجه المتوقعة الا في حال الدخول العربي بقوة في العملية السلمية، وعلى اساس القدرة على ملاقاة التوجهات الاميركية الجديدة التي تلقى بدورها تأييدا ودعما دوليين. وتبقى انتكاسة العملية السلمية برمتها واردة، في حال العجز عن خلق هذا المناخ. وذلك، عبر لجوء الأطراف المتضررة من عملية السلام، في اسرائيل او في الجانب العربي، الى افتعال عدم الاستقرار والتصعيد العسكري، من اجل إطاحة هذه الفرصة الجديدة.