بغداد ليست سوقاً متخصّصة لبيع التُحف الباهظة الثمن (سيوف، تماثيل كبيرة، أوان فضيّة ونحاسية منقوشة) كما الحال في باريس ولندن ونيويورك، إلا أن هذه التجارة بدأت تزدهر في السنوات الأخيرة، في الأحياء الراقية مثل الكرادة والمنصور وشارع فلسطين. لا يتخطى عدد المحال التجارية المتخصصة ببيع التحف في هذه الأحياء، عدد أصابع اليد الواحدة، لكن البغداديين الميسورين يقبلون عليها. ورث سامي الخفاجي محلاً لبيع التحف في منطقة الكرادة عن أبيه الذي كان مولعاً بجمع القطع الفنية الثمينة من أنحاء العالم مثل اللوحات التشكيلية والأواني النحاسية والسيوف المميزة بشغلها اليدوي. هذه القطع التي ما زالت تباع اليوم بأسعار باهظة «مكلفة جداً، لكون قيمتها الفنية عالية ولكوننا نبحث عنها في بلدان الله الواسعة ونشحنها الى بغداد»، يقول الخفاجي. ويضيف: «تتراوح الأسعار بين 100 وأكثر من 2000 دولار، لكل قطعة ميزتها وقيمتها وسعرها». أصحاب هذه المحال عانوا منذ تسعينات القرن العشرين، من فترة كساد بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضت على العراق آنذاك، لكنهم بعد العام 2003 مع انتهاء العقوبات وتحسن احوال طبقة الموظفين الذين ارتفعت رواتبهم بنسبة كبيرة، بدأوا يتنفّسون الصعداء. وقد دخل السياسيون من قادة أحزاب وأعضائها ووزراء ونواب، على خط الشراء بعدما كان الزبائن محصورين بالطبقة المتوسطة والموظفين الميسورين. ويؤكد أحمد سعدون الذي يملك متجراً في منطقة المنصور: «غالبية زبائني من السياسيّين ونسائهم الذين لا يتردّدون في شراء هذه السلع مهما ارتفع ثمنها». وقد ازدادت طبقة السياسيين في العراق عدداً وثراءً بعد العام 2003، ورافقها تحسن اقتصادي ملحوظ بعد السماح للعراق بتصدير نفطه، ما أدى الى انتعاش الاقتصاد وخصوصاً لدى السياسيين الذين بنوا قصوراً فخمة وواسعة تستوعب أغلى التحف وأثمنها. وبعيداً من هؤلاء الشراة أصحاب الجيوب الذهبية، يبقى هامش صغير لبعض البغداديين من الطبقة المتوسطة الذين يتخذون من شراء التحف وجمعها هواية، مثل التاجر في سوق الشورجة التجارية في بغداد سلام الألوسي. ويشير الرجل الذي يجمع القطع الفنية منذ سنوات طويلة ويحتفظ بالكثير منها في منزله، الى أن هذه التحف النادرة تعتبر ثروة له ولعائلته، «كلما مر الزمن عليها ازدادت بريقاً وثمناً».