مع حلول ساعات المساء الاولى يتدفق أهالي بغداد على منطقة الكرادة التي كانت حتى وقت قريب تغلق أبوابها مع مغيب الشمس. العائلات الكرادية كما يطيب لأهالي بغداد تسميتها تخرج في المساء إما تلبية لدعوة عشاء أو للتجول في شارع «الكرادة داخل» الممتد لعدة كيلومترات والذي تلفه المحال التجارية ومخازن الملابس والمطاعم. والكرادة من مناطق بغداد المختلطة حيث ما زال أهلها الاصليون من المسيحيين والسنة والشيعة يسكنونها. وتقول رنا اكرم 25 عاماً من اهالي الكرادة ل«الحياة» ان «الاستقرار الامني الذي تشهده منطقة الكرادة بث روح الطمأنينة لدى الاهالي هنا ما دفعهم الى التفاعل مع تلك الاجواء ومعاودة نشاطاتهم الترفيهية المعتادة» وزادت: «لا يقتصر المتجولون في الشارع مساء على سكان الكرادة فقط حيث يزحف نحوها الكثير من الشباب والعائلات من مناطق بغداد الاخرى». وتبدو الشوارع الرئيسة في الكرادة في أبهى حالاتها في المساء حيث تشرع المحال التجارية باعلاناتها الضوئية الملونة ابوابها امام الزبائن لشراء مختلف البضائع والسلع. وتتولى دوريات أمنية مهمة تأمين الشوارع الرئيسة التي تكتظ بالعائلات والمتبضعين من خلال انتشارها في نقاط تفتيش تمتد على طوال شوارع المدينة الى جانب دوريات المرور التي تتولى مهمة تنظيم سير المركبات. وكان شارع الكرادة تعرض الى عشرات الهجمات بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة أودت بحياة المئات من الاهالي والمتبضعين خلال السنوات الماضية ما استدعى منع اجهزة الامن السيارات من الوقوف على طول الشارع والامر بقطر اي سيارة تتوقف هناك. محمد التميمي أحد عناصر الفرق الامنية الموجودة هناك قال ل «الحياة» ان «الازدحام يبلغ أشده في المساء ما يستدعي مضاعفة الجهود الامنية لحماية المواطنين». ويضيف: «من بين اهم الاماكن التي تتركز فيها نقاط التفتيش قرب مرقد سيد ادريس حيث يقصده العشرات من العائلات وفي شكل يومي. ايضا قرب المجمعات التجارية الرئيسة التي تمتد من محطة وقود أبو أقلام وانتهاء بساحة التحريات وصولاً لشارع العرصات الهندية». وأكد مصدر امني في وزارة الداخلية في تصريح ل «الحياة» ان «الوزارة تشدد على اتخاذ كافة التدابير الامنية اللازمة لحماية المواطنين في الكرادة». وأوضح: «هذه المدينة تستقطب غالبية العائلات البغدادية بسبب تداخل احيائها الى جانب تمركز المحال التجارية فضلاً عن تشرفها بمرقد سيد ادريس. أيضاً وجود المطاعم وصالات الحفلات والنوادي الليلية المطلة على الحدائق العامة زاد من عوامل جذب المواطن اليها». وتابع: «رفع الحواجز الكونكريتية وتكثيف نقاط التفتيش عزز ثقة المواطن بقدرات رجال الأمن في السيطرة على زمام الامور في مدينة الكرادة، وعادة ما تتضاعف الجهود يوم الأحد حيث يتجمع ابناء الطائفة المسيحية في الكنائس لأداء الصلوات ويومي الاثنين والخميس إذ تزدحم صالات حفلات الاعراس بالمدعوين». واستدرك: «الكرادة لم تشهد أي نزوح طائفي حيث لم تحدث حالات تهجير طائفي في غالبية احيائها». ويقول سامي روفائيل ان هذه المنطقة هي قلب بغداد، وهي منذ تأسيسها بداية القرن الماضي كانت تضم خليطاً متنوعاً من صفوة رجال العلم والادب والفن والسياسة. وبعض بيوت الكرادة بحسب روفائيل كانت ملكاً ليهود العراق قبل ان يغادروها في خمسينات القرن الماضي، فتحولت معظم تلك المنازل الى الاوقاف. وكانت ضجة اعلامية ثارت أخيراً بسبب مطالبة جمعية يهودية بالاملاك العائدة الى يهود العراق، لكن رئيس هيئة نزاعات الملكية أحمد البراك نفى ان تكون هيئته المختصة بمنازعات الملكية وتشكلت بعد عام 2003 قد نظرت في أية دعوى خاصة بإعادة املاك يهود عراقيين. ويقول محمد عدنان وهو مقيم في منزل كان عائداً لعائلة يهودية ان المنزل اصبح ملكاً له بعد أن اشتراه من ضابط في الامن العراقي إبان حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين وكان ذلك الضابط قد اشترى بدوره المنزل خلال مزايدة لوزارة الاوقاف.