لا تكاد تشرق شمس الصباح في أيام الجمعة حتى يتوجه اكرم ياسين الذي يسكن في «مدينة الحرية» في جانب الكرخ من بغداد الى سوق الغزل في رحلة اسبوعية يجلب فيها اغرب الطيور والحيوانات الاليفة التي يجدها هناك. اكرم الذي حول منزله الى ما يشبه حديقة حيوانات صغيرة غير مكترث بحالة التذمر التي تعيشها زوجته ووالدته من هذا السلوك، يملأ منزله بالحيوانات التي يشتريها اسبوعياً من سوق الغزل وهو واحد من اقدم رواده، ويقول ل «الحياة» انه يقوم برحلة اسبوعية يبحث من خلالها عن حيوانات نادرة ليبيعها لاحقاً الى زبائن من نوع خاص. ويضيف: «اقتني انواعاً محددة من الطيور بسعر ملائم، وأبيعها للمهتمين بأسعار جيدة، وفي بعض الاحيان اعثر على صيد ثمين اشتريه بثمن زهيد». ويركز اكرم على اقتناء الطيور وفي أحيان أخرى يشتري انواعاً من الحيوانات مثل الكلاب والقنافذ وغيرها ويبيعها لزبائن يستخدمونها في ممارسة السحر والشعوذة. ويضيف: «بعضها اجلبه بحسب الطلب والبعض الآخر اعرضه على المهتمين بعد شرائي اياها». ويروي حكاية عن احد اصدقائه المهتمين بشراء الافاعي ويقول: «يبيع صديقي الافاعي الى عطارين يقومون بقتلها واستخراج زيوتها وبعض الأجزاء من جسدها ويبيعونها للنساء اللواتي يبحثن عنها عند العطارين». ويؤكد ان مرتادي سوق الغزل هم زبائن مهتمون ببضائعه، لكن غالبيتهم من الرجال اذ نادراً ما تدخل النساء الى هناك. واكتسب السوق تسميته من تجارة الغزول التي كان يشتهر بها ابان الحكم العثماني للعراق، والتي انحسرت في شكل كبير لاحقاً بعد تقلص الصناعات اليدوية في العقدين الاخيرين من القرن الماضي. وكان سوق الغزل جزءاً اساسياً من حرم دار الخلافة العباسية وبني فيه جامع القصر الذي سمي لاحقاً ب «جامع الخلفاء» وهو واحد من اشهر أسواق الحيوانات والطيور في بغداد، كما انه من اشهر اسواق الجمعة على الاطلاق، اذ ان بضائعه تتنوع بين الحيوانات الأليفة وأسماك الزينة والطيور البرية والكلاب النادرة وغيرها. ويشير أحد الباعة الى ان «سوق الغزل» يمثل الملتقى الرئيس للمهتمين بالحيوانات والطيور النادرة وأن شهرته لا تقل عن شهرة شارع المتنبي الذي يلتقي فيه الأدباء والمهتمون بالثقافة. ويقول: «نحضر بضائعنا في وقت مبكر ونغادر المكان بعد الظهيرة، لأن غالبية الزبائن يحضرون في هذا الوقت». ويعد السوق واحداً من اهم تفرعات سوق الشورجة في بغداد ويمتد بين شارع السوق العربي و «عكد النصارى» وهي التسمية التي يطلقها البغداديون على الشارع الذي يسكنه المسيحيون في المكان ذاته. ويضم اشهر منارة في بغداد وجامع الخلفاء. كما يضم دير الآباء الكرمليين الذي كان معروفاً في ثلاثينات القرن الماضي بتسمية مجلس يوم الجمعة وكان يديره في تلك الحقبة الاب انستاس الكرملي احد ابرز رجال الدين المسيحيين آنذاك. وبعد خمس هجمات مسلحة ومقتل اكثر من ستين شخصاً على مدى ست سنوات مضت كان اشهرها التفجير الانتحاري الذي نفذته امرأة ترتدي حزاماً ناسفاً عام 2007، لا يزال «سوق الغزل» يحتفظ بحيويته ومكانته بين اسواق بغداد، ويفتح ابوابه صباح كل يوم جمعة امام مرتاديه وباعته.