ارتفعت شعبية «حزب استقلال المملكة المتحدّة» (المعروف باسم «يوكيب») بل حلّ مكان الحزب الديموقراطي الليبرالي كثالث أكبر حزب بعد حزب العمّال وحزب المحافظين، واعتبر ذلك أبرز التطوّرات على الساحة السياسية البريطانية. ويتوقع الخبير البريطاني في استطلاعات الرأي جون كورتيس زيادة حادة في شعبية حزب استقلال المملكة المتحدة ما سيؤدي الى خسارة المحافظين 51 مقعداً في الانتخابات العامة في أيار (مايو) 2015، وبذلك يفوز حزب العمال بغالبية 94 مقعداً. منذ الانتخابات العامّة في أيار (مايو) 2010، تشكّلت حكومة ائتلافية بين حزب المحافظين وبين الحزب الديموقراطي الليبرالي. الذي تراجع موقعه بوضوح بعد مشاركته في هذه الحكومة. وفي 2011، أعلن زعيم «حزب استقلال المملكة المتحدّة» نايجل فاراج أنّ «الحزب الديموقراطي الليبرالي لم يعد يمثّل صوت المعارضة بل «بات حزبنا يمثّل هذا الصوت. ومنذ الآن ولغاية الانتخابات العامة المقبلة، نتطلّع إلى أن نحلّ مكانه لنصبح ثالث أكبر حزب في السياسة البريطانية». ويبدو أنّه حقّق هذا الهدف. يصف حزب استقلال المملكة المتحدّة نفسه على أنّه حزب «الأحرار». لكن، وبشكل عام، يتمّ وصفه على أنّه حزب يميني وشعبوي، فيما يعتبره البعض ممثلاً للتعصّب والعنصرية بسبب مهاجمته المهاجرين والمسلمين. تأسس «حزب استقلال المملكة المتحدّة» عام 1993 بهدف سحب المملكة المتحدّة من الاتحاد الأوروبي. وحتى وقت ليس ببعيد، كان الحزب مهمّشاً. وخلّفت شعبيته المتزايدة تأثيرات أساسية على الساحة السياسية البريطانية وعلى علاقات لندن مع الاتحاد الأوروبي، كما ساهم موقفه الحازم حيال عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في جذب بعض الداعمين السابقين لحزب المحافظين إليه. وازداد عدد مؤيّديه بسبب دعم رئيس الوزراء ديفيد كامرون الشديد لتشريع الزواج بين مثليي الجنس رجالاً ونساءً. ويعارض حزب استقلال المملكة المتحدّة بشدّة هذا الزواج شأنه شأن عدد كبير من المحافظين الذين قد ينتقلون إلى دعم هذا الحزب. وأشارت استطلاعات الرأي إلى أنّ شعبية الحزب ارتفعت أربع مرات منذ أيار 2010 فيما تراجعت شعبية الحزب الديموقراطي الليبرالي بنسبة فاقت النصف. كما أظهر استطلاع للرأي أجرته أخيراً شركة «كوم ريس» أنّ الدعم لحزب استقلال المملكة المتحدّة ازداد بمعدل ست نقاط منذ تشرين الثاني (نوفمبر) ليبلغ 14 في المئة، ما جعله يحلّ في المرتبة الثالثة بعد حزب العمّال الذي حصل على 39 في المئة وحزب المحافظين الذي حصل على 28 في المئة. فيما تراجع الحزب الديموقراطي الليبرالي أمام حزب استقلال المملكة المتحدّة وحصل على نسبة 9 في المئة. وتتعارض هذه النتيجة بشكل كبير مع النتيجة التي حقّقها الحزب الديموقراطي الليبرالي خلال الانتخابات العامة عام 2010 حين حصل على 23 في المئة من الأصوات. وتبلور التقدّم الذي أحرزه الحزب في استطلاعات الرأي في أدائه الناجح خلال أربع انتخابات فرعية أجريت في تشرين الثاني (الانتخابات الفرعية تجري عادة حين يتوفى نائب أو يستقيل لملء مقعده الشاغر). وقال النائب المحافظ مايكل فابريكان وهو مستشار كامرون لشؤون الانتخابات إنه يجدر بحزب المحافظين عقد حلف مع حزب استقلال المملكة المتحدّة. وبموجب الحلف، يتعهد «استقلال المملكة المتحدّة» بألا يقف ضد المرشحين المحافظين خلال الانتخابات العامة مقابل وعد بإجراء استفتاء حول الاتحاد الأوروبي عقب الانتخابات العامة عام 2015. وحذّر فابريكان من خطر حزب استقلال المملكة المتحدّة على المرشحين عن الحزب المحافظين في المقاعد المهمّشة.إلا أنّ فاراج استبعد التحالف طالما أنّ كامرون يتزعم المحافظين. لم يصفح فاراج عن كامرون لأنّه صرّح لإذاعة «أل بي سي» البريطانية («بيغيست كونفرسيشن») عام 2006 أنّ «حزب استقلال المملكة المتحدّة» يضمّ في معظمه «أشخاصاً أغبياء ومجانين وعنصريين». الأكبر في البرلمان الأوروبي؟ على رغم أنّ حزب استقلال المملكة المتحدّة تأسس لمناهضة الاتحاد الأوروبي عام 1993 إلا أنّه لم يتمكن سوى في عام 2004 من تحقيق فوزه الانتخابي الأساسي الأول حين فاز ب12 مقعداً خلال انتخابات البرلمان الأوروبي. وفي السنة نفسها، فاز الحزب بمقعدين في مجلس نوّاب لندن. ويتوقّع فاراج أنّه عقب الانتخابات الأوروبية عام 2014، سيكون حزبه هو الحزب البريطاني الأكبر في البرلمان الأوروبي. ينتمي حزب استقلال المملكة المتحدّة إلى مجموعة من الأحزاب ضمن البرلمان الأوروبي ومعروفة باسم «مجموعة أوروبا الحرية والديموقراطية». ويعدّ فاراج الزعيم المشترك للمجموعة التي تضمّ حزب بولندا المتحد المتشدّد والمناهض لمثليي الجنس، وحزب رابطة الشمال الإيطالي اليميني. وعلى عكس أدائه خلال الانتخابات الأوروبية الأخيرة، كان الأداء الانتخابي لحزب استقلال المملكة المتحدّة على الساحة البريطانية الوطنية مخيباً للآمال. فحصل على 2.3 في المئة من الأصوات في الانتخابات العامة التي أجريت عام 2005 وعلى 3.1 في المئة في انتخابات عام 2010. كما أنه لا يملك نائباً واحداً في مجلس العموم إلا أنّه يملك عضوين في مجلس اللوردات كانا انشقا عن حزب المحافظين. وبغية جذب عدد أكبر من الناخبين، عمل الحزب على تغيير صورته من حزب «يُعنى بمسألة واحدة» هي مسألة أوروبا، وأعدّ سياسات حول الاقتصاد والتربية والدفاع والجنسية. كما دعا إلى ضبط الهجرة ووضع حدّ للتعددية الثقافية. وازداد التعاطف مع الحزب في تشرين الثاني (نوفمبر) حين كشف أنّه في مدينة روترهام الشمالية، حرمت دائرة الخدمات الاجتماعية أباً وأماً من أولادهما الثلاثة بالتبني لأنّهما ينتميان إلى حزب استقلال المملكة المتحدّة، ويتحدّر الأولاد الذين تمّ تبنيهم من أقلية إثنية من الروم (غجر أوروبا الشرقية). ورأى مجلس روترهام أنّ الأب والأم يدعمان «سياسات الحزب العنصرية» حول الهجرة لأنهما عضوان في حزب استقلال المملكة المتحدّة. وأثار هذا التصرّف غضباً واعتبر البعض أنّ حرمان الأم والأب من أولادهما بالتبني لمجرّد انتمائهما إلى حزب سياسي معيّن هو تصرّف غير أخلاقي. وفي 29 تشرين الثاني، أي بعد أيام قليلة على خبر حرمان الأب والأم من أولادهما بالتبني، تمّ إجراء انتخابات فرعية في روترهام عقب استقالة النائب عن حزب العمّال دينيس ماكشين بعد إدانته بسوء استخدام نفقات برلمانية بقيمة 7500 جنيه استرليني. وفي الانتخابات الفرعية، احتفظ حزب العمّال بالمقعد. لكن، فيما حلّ حزب المحافظين في المرتبة الثانية في روترهام في الانتخابات العامة عام 2010، تقدّم حزب استقلال المملكة المتحدّة إلى المرتبة الثانية بعد حصوله على 22 في المئة من الأصوات. وتعرّض الحزب الديموقراطي الليبرالي للإهانة بعد أن حلّ في المرتبة الثامنة. وفي اليوم نفسه، أحرز حزب استقلال المملكة المتحدّة نتيجة جيّدة في الانتخابات الفرعية في مدينة ميدلزبورو الشمالية الإنكليزية وحلّ في المرتبة الثانية بعد أن كان في المرتبة السادسة في انتخابات عام 2010. وكان شمال إنكلترا يشكّل حصناً منيعاً لحزب العمّال. وأعلن فاراج أنّ نتائج الانتخابات الفرعية تظهر أنّ حزب استقلال المملكة المتحدّة حلّ مكان حزب المحافظين في المرتبة الثانية شمال إنكلترا. وأضاف: «الهجرة إحدى أكثر المسائل تأثيراً في القرى الشمالية. ونحن الحزب الوحيد الذي يطالب بإغلاق الباب أمام أوروبا الشرقية». الغاضبون من أوروبا وفي الانتخابات الفرعية الثالثة التي أجريت في اليوم نفسه في شمال كرويدون في لندن حلّ الحزب في المرتبة الثالثة ودفع الحزب الديموقراطي الليبرالي إلى المرتبة الرابعة. كما حقّق نتيجة جيّدة في الانتخابات الفرعية في بلدة كوربي في ميدلاندز التي عقدت في 15 تشرين الثاني. وفاز حزب العمّال بالمقعد الذي كان يشغله حزب المحافظين وحلّ حزب استقلال المملكة المتحدّة في المرتبة الثالثة دافعاً الحزب الديموقراطي الليبرالي إلى المرتبة الرابعة. ويجذب موقف حزب استقلال المملكة المتحدّة المناهض لأوروبا عدداً متزايداً من الأشخاص جرّاء الغضب العام من بعض القرارات التي اتخذتها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، علماً أنّ وسائل إعلام حزب المحافظين واليمين ساهمت في إثارة هذا الغضب. وألقت وزيرة الداخلية تيريزا ماي مراراً اللوم على المحكمة الأوروبية بسبب الصعوبات التي تواجهها بريطانيا في الحصول على الدعم الشرعي لترحيل الفلسطيني الإسلامي المتطرّف أبو قتادة إلى الأردن حيث ستتم محاكمته. كما اتهمت المحكمة بتصعيب مهمّة ترحيل المواطنين الأجانب الخطرين. ويبدو ديفيد كامرون غاضباً لأنّ المحكمة الأوروبية تعتبر أنه يجدر ببريطانيا منح السجناء حقّ التصويت، ويرى كامرون أنّ فكرة منح المجرمين المدانين حق التصويت تجعله يشعر «بالمرض». وأُدخِلت المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان في القانون البريطاني عام 1998 تحت قانون حقوق الإنسان الذي أقرته حكومة توني بلير العمّالية، وبهدف محاربة سلطات المحكمة الأوروبية على بريطانيا، تعهّد كامرون وحزب المحافظين بإقرار ميثاق الحقوق البريطانية قبل الانتخابات العامة المقبلة. وأرسى كامرون لجنة مؤلفة من خبراء قانونيين لدرس ميثاق الحقوق البريطانية إلا أنّه بعد 18 شهراً أعلنت اللجنة في 18 كانون الأول أنها وصلت إلى حائط مسدود حول هذه المسألة. ويبدو اليوم أنّ فكرة إنشاء ميثاق الحقوق باتت في حكم الميتة. وأشار الحزب الديموقراطي الليبرالي أنه سيمنع أي محاولة من الحكومة لإبطال قانون حقوق الإنسان أو الانسحاب من المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان. ولفت وزير العدل في حكومة الظل لحزب العمّال صادق خان إلى أنّ «قانون حقوق الإنسان هو ميثاق الحقوق الخاصة بنا وهو يوفّر حماية شرعية ضد أي تعذيب أو عبودية ويحفظ حقوق الحرية والعدالة المنفتحة والعادلة وحق التظاهر». يواجه كامرون اليوم قرارات صعبة على صعيد صناعة سياسته حيال أوروبا. تمّ تأجيل الخطاب الأٍساسي حول أوروبا الذي كان من المتوقع أن يلقيه علماً أنّه سيلقيه في منتصف شهر كانون الثاني (يناير). ولمّح في شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) أنّه سيدعم فكرة إجراء استفتاء على علاقة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي وأنّه سيتم إدراج هذا الموضوع ضمن بيان حزب المحافظين قبل الانتخابات العامة عام 2015. غير أنّ كامرون أوضح أنّ الإجابة عن سؤال الاستفتاء حول ما إذا يجب أن تبقى بريطانيا في الاتحاد الأوروبي لن تكون ب «نعم» أو «لا». بدلاً من ذلك، سيركّز الاستفتاء على وجوب تغيير موقف بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي. إلا أنّ كامرون أقرّ أخيراً وللمرة الأولى أنّ بريطانيا قد تترك الاتحاد الأوروبي معتبراً أنه لا يفضّل حصول ذلك على رغم أن الاحتمال وارد. وأضاف: «أظنّ أنّ الخيار الذي يجب أن نقوم به يقضي بالبقاء في الاتحاد الأوروبي وبأن نكون أعضاء في السوق الموحدة وفي أن نزيد نفوذنا في أوروبا. لكن حين نكون غير راضين عن بعض الأمور، فيجب ألا نخشى من أن نقف ونعبّر عن ذلك». واضح أنه منذ اليوم وحتى الانتخابات العامة التي ستجرى عام 2015 يواجه كامرون وحزب المحافظين مناورة صعبة في حال حاولوا مواجهة المخاطر الجديدة التي يفرضها حزب استقلال المملكة المتحدّة الذي بات يحظى بشعبية كبيرة. ويأمل حزب المحافظين في تحقيق فوز حاسم في الانتخابات العامة على خلاف ما حصل في انتخابات عام 2010 التي لم تعط أي حزب أكثرية برلمانية، ما أجبر حزب المحافظين على الدخول في ائتلاف مع الحزب الديموقراطي الليبرالي إلا أنّ تقدّم حزب العمّال في استطلاعات الرأي وارتفاع قوة حزب استقلال المملكة المتحدّة، يجعل ذلك حلماً مستحيلاً. * صحافية بريطانية