«أعشق الدراجات وكنت دائماً أريد الحصول على واحدة خاصة بي، وحين اتصل بي بعض الأصدقاء وعرضوا عليّ دراجة بثمن مغرٍ لم أتردد عن الاتصال بوالدي ومحاولة إقناعه بتمكيني من المبلغ، لكنه رفض وأمام إصراره لم أجد بدّاً من تهديده بأن أرمي نفسي من الطابق الثالث، إن لم أحقق حلمي بالحصول على دراجة نارية»، يقول زياد ببساطة. وزياد ليس حالاً شاذة في تونس حيث امتلاك الدراجات النارية الكبيرة أصبح هاجس عدد كبير من الشبان، رغم الطرقات غير المجهّزة لها لجهة ضيقها، ورغم أن سائقي الدراجات لا يلتزمون بأساليب الحماية كاللباس الخاص والخوذة وواقيات الصدمات، إلاّ أنّ عدد الدراجات في تزايد متواصل أمام صمت الحكومة وتحديداً وزارة الداخلية، التي تعلم جيّداً أنّها كلها تدخل البلاد بطرق غير شرعية، وأنه يتمّ تركيب بعضها في تونس بعد تهريب القطع من أوروبا بطرق مختلفة. قيادة الدراجات النارية بتهوّر وبخاصة داخل المدن والأحياء ذات الكثافة السكانية، تخلّف يوميّاً حوادث مؤلمة ومميتة، إذ أن أكثر الإصابات غالباً ما تحصل على مستوى الرأس والعمود الفقري، فحتى مَن ينجو من الموت يمكن أن يمضي بقية حياته بعاهات دائمة. ومع ذلك فلا أحد يتّعظ، وعدد المولعين بهذا «الهوس الميكانيكي» يتضاعف يوميّاً، ولعلّ المؤلم أكثر أنّ تلك الدراجات تسير عادة بلا تأمين لأنها أصلاً موجودة بشكل غير قانوني ومن دون أي وثائق قانونية أو بأوراق مزورة ما يعني أنه في حالة إصابة سائق ما وموته فلن تجد عائلته أي تعويض. مآس بالجملة تقول سارة، وهي أمّ لشاب راح ضحيّة ولعه المفرط بدراجته النارية: «بعد ثلاث سنوات من موت ابني ما زلت أبكيه يوميّا، لأنني أشعر بأنّني السبب في ما حدث، فلو رفضت دفع ثمن الدراجة لما خسرت ابني الوحيد». وتضيف وهي تقاوم دموعها: «أحببت أن أسعده، لأنه مولع ومغرم بالدراجات، ولم افكر أبداً أن يأتي اليوم الذي تكون فيه سبباً لموته، لقد كنت فقط أريد إسعاده وتوفير له كل ما يحب بخاصة بعد وفاة والده وهو صغير». سارة تكره الدراجات بشكل لا يوصف وتحاول جاهدة أن تنصح أصدقاء ابنها بأن يبتعدوا عن التهوّر كيلا يصيبهم ما أصابه، كما أنّ إحساسها بالذنب لا يفارقها كما تؤكد. أما نسيم (20 سنةاً)، وهو من القليلين الذين قبلوا التحدث إلى الإعلام بعد جهد، إذ أن الغالبية ترفض ذلك، فيقول: «سقطت خمس مرات وأصبت بكسور ورضوض، وما زلت أعاني آلاماً على مستوى رقبتي وظهري ومع ذلك أعشق قيادة الدراجات الضخمة ولا يهمّني إن تعرضت لحوادث أخرى، المهمّ أنني أستمتع جداً عندما أقود دراجتي وأسابق الريح». ويؤكد نسيم إنّ غالبية أصدقائه المولعين بهذه الهواية الخطيرة لا يعيرون أي اهتمام لطرق الوقاية من الحوادث أو الإصابات، مؤكداً أنهم يفرحون حين يجدون طريقاً مفتوحة أمامهم وفارغة كي يمارسوا «جنونهم» في السرعة، وعلى عجلة واحدة، وما إلى ذلك من تصرفات خطيرة. وتمثّل الدراجات النارية، ثاني أهم أسباب حوادث المرور القاتلة في تونس، بحسب الإحصاءات الرسمية، مخلّفة الدموع والحزن في عدد كبير من البيوت. ويُذكر أنّ تونس تُعتبر من دول العالم التي تشهد اعلى نسبة في حوادث السير، وبحسب آخر إحصاءات المرصد الوطني للمرور، وقع 9122 حادثاً في الفترة من كانون الأول (ديسمبر) 2012 إلى 23 كانون الثاني (يناير) 2013، بزيادة 799 حادثاً مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية؛ وخلّفت هذه الحوادث 1582 قتيلاً و13800 وجريحين.