اتفق رئيسا السودان عمر البشير وجنوب السودان سلفاكير ميارديت على «نيات جديدة» لتنفيذ ما اتفقا عليه قبل أكثر من ثلاثة أشهر، في خطة اعتُبرت هروباً إلى الأمام لتجنب ضغوط دولية واتهامات بعدم الجدية في التعاطي مع القضايا العالقة بين بلديهما. لكن الطرفين تجنبا في قمة أديس أبابا التي انعقدت أواخر الأسبوع، حسم قضايا خلافية جوهرية استعصت مجدداً على الحل. وانتهى لقاء البشير وسلفاكير في العاصمة الإثيوبية بتأكيد اتفاقهما السابق في أديس أبابا أيضاً في 27 أيلول (سبتمبر) الماضي. لكن اللقاء الجديد لم يحقق اختراقاً في قضايا ظلت مثار خلاف بين الجانبين منذ انفصال الجنوب قبل أكثر من عام. وانحصرت النقاط الملزمة لكليهما في مسائل روتينية لا تمس جوهر الخلافات. واتفق الرئيسان على ترسيم الحدود التي تمثل 80 في المئة من حدودهما الممتدة أكثر من 2100 كيلومتر، وهو ما اتفق عليه مفاوضو الطرفين منذ نحو ثلاث سنوات لكنه لم يترجم على الأرض. كما اتفق الرئيسان على تشكيل لجنة من خبراء لصوغ اقتراحات غير ملزمة في شأن المناطق المتنازع عليها، في تكرار لما نص عليه الاتفاق بينهما في أديس أبابا قبل ثلاثة شهور. وتركّز لقاء البشير وسلفاكير على إقرار خطوات عملية لتنفيذ اتفاق أديس أبابا، لكنهما لم يحسما ذلك وتركا للوسيط الأفريقي ثابو مبيكي طرح جدول زمني وعرضه عليهما خلال لقاء يجمعهما على هامش القمة الافريقية في العاصمة الإثيوبية منتصف الشهر الجاري، ما يعني أن الأمر سيخضع إلى محادثات جديدة. ويعتقد خبراء يتابعون لقاء القيادتين السودانية والجنوبية بأن وضع جدول زمني لتنفيذ الاتفاقات قبل حسم النقاط الخلافية يعني وضع العربة أمام الحصان، ويرون أنه لا يمكن للوساطة الافريقية أن تحدد موعداً لتنفيذ نقاط ظل النقاش في شأنها يراوح مكانه شهوراً. ونص بيان الوساطة على أن سلفاكير تعهد بكتابة خطاب رسمي عن فك ارتباط جيشه مع متمردي «الحركة الشعبية - الشمال» في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق، غير أن الخرطوم وجوبا ما زالتا مختلفتين في شأن مفهوم «فك الارتباط». فالسودان يعتبر الجيش الجنوبي مسؤولاً عن نزع سلاح مقاتليه السابقين في الشمال، بينما يرى الجنوب أن هؤلاء صاروا مواطني دولة أخرى وانهم يقيمون في دولتهم المسؤولة عن نزع سلاحهم. وفك الارتباط يعني بالنسبة إلى الجنوب مجرد قطع الاتصال بهم وامدادهم بالسلاح والعتاد. وعزز الطرفان اتفاقهما السابق بسحب قواتهما بشكل متزامن من مناطق حدودية متنازع عليها من أجل فتح الطريق لانشاء منطقة عازلة عمقها 10 كيلومترات على جانبي الحدود ونشر قوة مراقبة مشتركة ترأسها القوة الأممية المنتشرة في أبيي لحفظ الأمن «يونيسفا» وقوامها جنود من القوات المسلحة الإثيوبية. وفي شأن أبيي اتفق البشير وسلفاكير على تشكيل إدارة موقتة وبرلمان محلي في المنطقة المتنازع عليها بين بلديهما، وهي قضية ظلت محسومة منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، لكن الخلاف على الأسماء المرشحة لرئاسة الادارة والبرلمان عطّل تنفيذ الخطوة. ويرى مهتمون ومتابعون للشأن السوداني الجنوبي أن قمة البشير وسلفاكير فشلت في تجاوز القضايا الخلافية الجوهرية، وأن بيان الوسطاء الذي تحدث عن تقدم في محادثات الرئيسين لا يعدو أن يكون غطاء للفشل، حتى تمنح الوساطة نفسها فرصة جديدة في اللقاء الذي سيتجدد في 13 الشهر الجاري، وأيضاً بهدف عدم إحراج رئيس الوزراء الاثيوبي هايلي مريام ديسلين الذي رعى اللقاء في أول دور اقليمي له منذ توليه الرئاسة بعد رحيل ملس زيناوي.