تواجه صناعة البتروكيماويات الخليجية وللمرة الأولى تحدياً مصيرياً من الشركات العالمية العاملة في القطاع ذاته مع تزايد توافر مادة أولية رخيصة هي الغاز الصخري الذي بدأ ينافس الغاز الطبيعي في تصنيع المواد البتروكيماوية كلها وحتى كثير من المشتقات النفطية، فهو أقل كلفة في المدى المتوسط من الغاز الطبيعي ومن المشتقات النفطية مثل النافتا. وأصبح الغاز الصخري حديث الساعة في الأوساط الصناعية، فتبوأ موقعاً متقدماً على أجندة مؤتمر «الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات» أخيراً في دبي، مثلاً. وأصيب البعض بذعر من منافسة الغاز الصخري للمصادر الطبيعية الأخرى بمعدلات سعرية أقل بكثير مقارنة بالغاز المتوافر بكثرة في دول الخليج العربي، وشعر هؤلاء بقلق من سهولة استعمال هذا الغاز غير التقليدي في الصناعات البتروكيماوية. تتصدر الولاياتالمتحدة وكندا إنتاج هذا الوقود وتوزيعه محلياً وتصديره إلى الخارج، فالكميات والاحتياطات المتوافرة من الغاز الصخري في هذين البلدين كبيرة بل ضخمة وتكفي لتلبية الطلب المحلي وللتصدير إلى الخارج وإلى منطقتنا العربية خلال السنوات العشر المقبلة. وأعاد اكتشاف الغاز الصخري بكميات وفيرة في كل من الولاياتالمتحدة وكندا خلال السنوات الثلاث الماضية الحياة إلى صناعة البتروكيماويات في أميركا الشمالية، لتنمو وبوتيرة أسرع بعد فترة طويلة توقفت فيها الاستثمارات في القطاع هناك لتتجه إلى منطقة الخليج العربي. وعملت الدول الأوروبية على الخط نفسه فأسست شراكات مع الشركات البتروكيماوية الوطنية في السعودية والكويت والإمارات وقطر وعُمان. وكانت الرؤية المشتركة بين الاستثمار والاستفادة من الوقود الرخيص الثمن، واجتذاب الخبرات العالمية، وتدريب الكوادر الوطنية وتأهيلها، والحصول على أرباح كبيرة نتيجة لهذا الاستثمار المشترك، بالإضافة إلى الاستفادة من موقع دول الخليج وقربها من الأسواق الواعدة النامية في دول شرق آسيا مثل الصين والهند وإندونيسيا وفيتنام وكوريا الجنوبية. وأوقفت الولاياتالمتحدة إنتاج أكثر من تسعة ملايين طن من الإيثيلين لعدم قدرتها على التنافس، وكذلك فعلت أوروبا، وحلت محل الطاقات الإنتاجية الموقوفة طاقات أكبر في دول الخليج العربي. إلا أن الحال تغيرت وبدأت الشركات الأميركية رحلة العودة إلى أراضيها لبناء مصانع بتروكيماويات بفضل وفرة البديل الرخيص المستخلص من الغاز الصخري. وأعلنت بناء وحدات لإنتاج الإيثيلين بين 2010 و2020 وبطاقة إنتاجية تقدر بنحو 40 مليون طن، منها نحو 15 مليوناً أُعلِن بناؤها خلال السنوات الثلاث المقبلة. وستتفوق المصانع الأميركية بأكثر من بليون دولار سنوياً عن أي مصانع أخرى في أي دولة في إنتاج مادة الإيثيلين. ويرجع الفضل إلى الغاز الصخري والتقنيات الأميركية، خصوصاً منها المتعلقة بتقنية استخراج الغاز الصخري «غير التقليدي» وتطويره عبر تطوير تقنية تفتيت الصخور باستخدام الضغط العالي بالماء مع فتح قنوات لتسهيل تدفق الغاز وانسيابه إلى الخارج. وتسمى هذه التقنية تكسيراً. وتعمد المصانع الأميركية كذلك إلى الحفر الأفقي تحت السطح بما يمنع تدمير مكامن الغاز أو النفط. وهذه التقنيات متوافرة حتى الآن عند الشركات الأميركية إلا أنها ستنتقل إلى دول أخرى وأهمها الصين والهند، ما يجعل الدول العربية المنتجة للغاز والنفط في موقع صعب في المدى الطويل، خصوصاً أن الصين تملك احتياطاً كبيراً من الغاز الصخري يقدر بنحو 1.3 تريليون قدم مكعبة، تليها الولاياتالمتحدة بنحو 850 بليوناً. هي أخبار مقلقة وعلينا التعامل مع التطورات والمتطلبات المقبلة، ليس فقط على صعيد الغاز الصخري بل كذلك في ما يخص النفط الرملي والصخري، فمن المحتمل أن ينافسا النفط التقليدي في يوم ليس بعيداً. وسيغير الغاز الصخري حتماً تركيبة صناعة البتروكيماويات في دول الخليج التي عليها مراجعة المتغيرات الأخيرة، خصوصاً تراجع أهمية الغاز التقليدي وزيادة معدلات الاستهلاك المحلي من الماء والكهرباء، لئلا تدفع هذه المتغيرات هذه الدول إلى زيادة اعتمادها على النفط وإلى استيراد الغاز عموماً والصخري خصوصاً. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة - الكويت