في وقت يزداد إنتاج النفط والغاز الصخريين في الولاياتالمتحدة منذ سنتين، يلاحظ تحفظ ملحوظ، بل توجه إلى منع التنقيب عنهما في عدد من الدول الأوروبية. لقد غير اكتشاف النفط الصخري خريطة الصناعة النفطية في الولاياتالمتحدة. وبينما تستمر ولاية تكساس في المنزلة الأولى في الإنتاج (نحو 1.24 مليون برميل يومياً)، أخذت داكوتا الشمالية تتنافس بسرعة على المنزلة الثانية، متخطية بذلك ولايات آلاسكا وأوكلاهوما وكاليفورنيا. وأنتجت ولاية داكوتا الشمالية نحو 660 ألف برميل يومياً من النفط الصخري، ما يعادل 67 في المئة زيادة على إنتاجها للسنة الماضية، وهي زيادة إنتاجية ملحوظة من منطقة بترولية حديثة العهد. أما في أوروبا، فهناك حذر شديد من الولوج في هذه الصناعة، بسبب الكميات الكبيرة من المياه التي تستعمل في تكسير الصخر، وخوفاً على تلوث أحواض المياه. ولا شك في أن هذه الأخطار البيئية موجودة في الولاياتالمتحدة أيضاً. لكن جمعيات البيئة الأميركية اعترضت على هذه التحديات، كما أنها ضغطت على المجالس التشريعية في الولايات المنتجة، مثل بنسلفانيا ونيويورك لسن قوانين وأنظمة صارمة لمنع تلوث المياه أو تفاديه. أما في أوروبا، فقد اعتمد بعض الدول سياسة أكثر حدة، بمنع أي تنقيب وإنتاج للنفط الصخري، كما هي الحال في فرنسا وبلغاريا ورومانيا (على رغم توقيع هذه الدول اتفاقات إنتاج مع شركات نفط عملاقة). ومن دون شك، يطرح الإنتاج التجاري الضخم للنفط والغاز الحجري أسئلة عدة في إطار صناعة البترول العالمية عموماً، وقطاع البترول العربي بالذات (أهميته الجيوستراتيجية)، أهمها: هل يتوقع اكتشاف احتياطات ضخمة من النفط الصخري للتعويض عن النفط التقليدي؟ أم إن النفط التقليدي الموجودة غالبيته في الشرق الأوسط سيستمر في لعب الاحتياط الأساس لصناعة النفط العالمية؟ وهل ستتوسع صناعة النفط الصخري لتنتشر من الولاياتالمتحدة إلى دول أخرى مثل الصين، التي تبدي اهتماماً كبيراً بإنتاجه محلياً، ناهيك عن الأرجنتين والهند. وهل من الممكن انتشار إنتاج النفط الصخري بكميات ضخمة؟ وهل إنتاج هذا النفط ممكن من الدول التي هي في حاجة ماسة إلى المياه، بل تواجه شحاً حرجاً. ثم يأتي السؤال الأساس طبعاً: ما هي تكلفة إنتاج النفط الصخري مقارنة بالنفط التقليدي، ومواقف جماعات البيئة تجاه هذه الصناعة الجديدة التي تحتاج استعمال كميات كبيرة من المياه ومن ثم تخلطها بالكيماويات التي تجد طريقها إلى أحواض المياه العذبة؟ أما بالنسبة لصناعة النفط العربية، فما هو تأثير اكتشاف كميات ضخمة من النفط في الولاياتالمتحدة، سينقلها خلال السنوات القليلة المقبلة من دولة مستوردة للنفط إلى بلد مصدر له؟ بمعنى آخر، ما هي التبعات الجيوسياسية لهذه التطورات على العلاقات الجيوسياسية العربية - الأميركية، وهل ستبقى المنطقة بالأهمية ذاتها في نظر واشنطن إذا انتفت حاجتها لها بترولياً؟ ألا يساعد اكتشاف النفط الصخري، وبالذات ترويجه في الولاياتالمتحدة، على اعتماد العالم أكثر فأكثر على النفط الخام، ومن ثم إطالة أمد عمر النفط في صناعة الطاقة العالمية، ووقف محاولات الاستغناء عنه بسرعة، كما هو شائع حالياً؟ أَوَلَا يعني هذا إعطاء فرصة أطول لاستعمال نفوط الشرق الأوسط الضخمة والأقل تكلفة من غيرها؟ وبما أن نفوط الشرق الأوسط هي أضخم احتياطي من غيرها من النفوط التقليدية وغير التقليدية، ألا يعني هذا أن أي تهديد للإمدادات النفطية الشرق أوسطية سيزيد أسعار النفط العالمية؟ خلاصة هذه الأسئلة: هل تستمر صناعة النفط الخام وأسواقه وأسعاره عالمية الأسس، بمعنى أن أي اضطراب أو تغير مهم في أساسيات هذه الصناعة ستؤثر في بقية أطرافها في حجم الإمدادات ومستوى الأسعار؟ تدل الاكتشافات الأميركية على احتمال توافر احتياطات ضخمة مماثلة في أرجاء أخرى من العالم لكن، يتوجب أولاً القيام بالبحوث الجيولوجية اللازمة للتعرف بدقة إلى احتمال توفرها تجارياً، وسرعة اكتشاف هذه الاحتياطات وتطويرها من أجل تأهيلها للإنتاج. فالمعلومات المتوافرة تشير إلى كثافة البحث عن النفط والغاز الصخري في كل من بريطانيا وأستراليا، إضافة إلى أميركا الشمالية (الولاياتالمتحدة وكندا) طبعاً. هذا يعني، أن عمليات الاستكشاف والتقويم في الدول الأخرى من العالم ستأخذ وقتاً طويلاً، كي تتوافر صورة أوضح عن حجم الاحتياطات البترولية الصخرية عالمياً. يذكر أن أي حقول «عملاقة» مثل التي تم اكتشافها في الولاياتالمتحدة، لم تكتشف حتى الآن، على رغم الاكتشافات الكثيرة للنفط الصخري في دول مختلفة من العالم. وكما هو معروف، فإن شركات النفط تنقب عن النفط منذ أكثر من قرن، وهي لا تزال تكتشف حقولاً جديدة (النفطية منها، مثلاً، في المياه الإقليمية للبرازيل في المحيط الأطلسي، أو الغازية منها في مياه المحيط الهندي في شرق أفريقيا)، وتفشل في العثور على احتياطات في مناطق أخرى. واضح وطبيعي، أن يحدث اكتشاف النفط والغاز الصخري ردود فعل متفائلة جداً في الولاياتالمتحدة، خصوصاً حول تحقيق الاكتفاء الذاتي، بل حتى احتمال التصدير في العقد المقبل. فواشنطن تحاول منذ أواخر سبعينات القرن الماضي، فك اعتمادها على استيراد النفط من دول الخليج، نظراً إلى الاضطرابات المستمرة في الشرق الأوسط والخوف من انقطاع الإمدادات. لكن، كما ذكرنا أعلاه، هناك أسئلة تنتظر إجابات قبل الحصول على استنتاجات دامغة وسريعة حول أثر إنتاج النفط والغاز الصخريين على صناعة النفط العالمية، والعربية خصوصاً. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية