يدرك الشاب العماني سالم المخلدي أن فوزه بعضوية المجلس البلدي هو بداية المشوار الذي اختاره عندما وضع اسمه ضمن لائحة المترشحين. فهناك شريحة واسعة من الشباب الذين اختاروه تنتظر منه أن يقدم ما يشفع له من حماستهم لانتخابه باعتباره كان متحمساً للفوز بعضوية الدورة الأولى من المجالس التي تعرفها سلطنة عمان للمرة الأولى. وقبل الانتخابات كان المخلدي على تواصل دائم مع شباب ولايته سمائل، في ملاعب كرة القدم أو النشاطات الاحتفالية والاجتماعية، وقدم دعماً ومساندة في إعلان مشروع «جائزة سمائل للإبداع» التي تقدم لعشرة فائزين متميزين في نشاطات ثقافية واجتماعية واقتصادية وغيرها. وربما حصد من ذلك الحضور المزيد من الأصوات لكنها أصوات ستضغط عليه لاحقاً لتنفيذ ما وعد به، أو على الأقل للبقاء ضمن الدائرة نفسها من الحماسة للشباب وقضاياهم. في تلك الولاية الواقعة في المنطقة الداخلية للسلطنة، ينافس سالم مرشحين آخرين غالبيتهم من جيل الشباب أيضاً، بينهم المهندس والمعلم، لكن التعويل على أصوات الشباب حفز المترشحين لكسب أصوات مجايليهم من خلال الحديث عن قضاياهم والتحديات التي تواجههم. وقد يكون في الحسابات الانتخابية كثير من الوعود، وبعضها أوسع من الصلاحيات الممنوحة للمجالس البلدية، لكن مساندة الجيل الشاب للمترشحين الشباب مكنتهم من بسط سيطرة واضحة على كل المجالس البلدية في السلطنة مع تقهقر الأجيال السابقة والمدعومة في نجاحاتها من منطلقات قبلية ووجاهية، وخصوصاً أن أكثر من نصف سكان السلطنة هم من الطلاب ودون سن الثلاثين. وشهدت السلطنة تجربة انتخابات المجالس البلدية للمرة الأولى بعد عامين من الاحتجاجات التي طالبت بتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع القرار مع إعطاء الشباب المزيد من الفرص في الحياتين الوظيفية والعامة، في ظل بقاء السلطات التقليدية حاضرة بقوة خلال العقود الماضية من عمر النهضة العمانية الحديثة. وجرت الانتخابات في أواخر كانون الأول (ديسمبر) الماضي لتؤكد بقوة اختيار المجتمع (الشاب) لأصوات شبابه ليبدأوا مع مطلع العام الجديد مرحلة المشاركة الفعلية عبر هذه المجالس التي تتوزع على محافظات السلطنة الإحدى عشرة. وبدا العنصر الشاب طاغياً على العملية الانتخابية. وعلى رغم أن نسبة الإقبال لم تزد عن نحو 50 في المئة من جملة المثبتة أسماؤهم في النظام الإلكتروني، لم يصب المسؤولون بالإحباط باعتبار أن الانتخابات خطوة أولى في مشوار طويل، وهم يعولون، كما يقول كثيرون، على تجربة تنضج على أيدي الشباب الذين سيستفيدون منها للتواصل مع مجتمعاتهم المحلية ومتابعة قضاياها. ومنحت المجالس البلدية مجموعة من الاختصاصات من بينها مراقبة تنفيذ المشاريع الخدمية بالمحافظة وإبداء الملاحظات، ومشاركة الجهات المختصة في اتخاذ القرار وإبداء الرأي مقدماً في استغلال أي مرفق عام ضمن نطاق المحافظة، بالإضافة إلى دراسة القضايا الاجتماعية والظواهر السلبية بالمحافظة واقتراح الحلول المناسبة لها، واقتراح البرامج الكفيلة بمساعدة المحتاجين وذوي الدخل المحدود ورعاية الأيتام والمعوقين، والتنسيق بشأنهم مع الجهات المعنية. امرأة في أكثر الولاياتقبلية وفيما ناضل الشباب لمزاحمة السلطات المجتمعية التقليدية التي تقف القبيلة وراءها، فإن البعض نال فوزاً كاسحاً كالشيماء الرئيسية، الفتاة التي عرفت كيف تحضّر نفسها للنجاح عبر حملة إعلانية ودعائية منظمة مكنتها من حصد أعلى نسبة تصويت في ولاية بوشر. وتفوقت على 37 مترشحاً، على رغم أن بوشر هي من أكبر الولايات ذات الكثافة السكانية وتتمتع بنفوذ قبلي واسع. وترفض الشيماء فكرة تخصيص مقاعد للمرأة (الكوتا) لأنها تريد أن يكون صندوق الانتخاب هو الفيصل، وألا تنطلق المرأة من كونها الأضعف، بل من كونها نصف المجتمع، وللإثبات أن المجتمع ذكوري لكنه لا يعيق انطلاقة المرأة وقدرتها على المنافسة. وبدأ غالبية الفائزين الشباب رحلة المشاركة في خدمة مجتمعاتهم بحماسة يتمنون بقاءها مع مواجهة التحديات التي قد تكون صعبة بالنسبة اليهم في ظل وجود مجتمع تقليدي اعتاد على مفردة الحكومة كمقدمة لكل الخدمات، مع خشية من مواجهة سلطات شيوخ القبائل التقليدية التي لا ترغب في منافسة حضورها القوي داخل المجتمعات الصغيرة. لكن هناك من يدرك أن توجه الدولة نحو مفاهيم المجتمع المدني خير دافع ليتحرك الشباب في أوساطهم لفعل شيء حقيقي ومختلف يحقق مشاركة فاعلة في ما يمسهم مباشرة.