جرت العادة أن تكون الجردة السنوية إما لتقويم أعمال عام مضى، أو لتأريخ منجزات. لكن الجردات العنكبوتية باتت مقياساً لأمزجة مجتمعات وميولها، من خلال معرفة الكلمات - المفاتيح التي استأثرت بعمليات البحث في الإنترنت، سواء دلّت على شخصيات أو أحداث أو أغنيات، أو أية معلومات أخرى. وقدّم محرّك البحث «غوغل»، وتحديداً مؤشر Zeitgeist، حصيلة جردته لعام 2012 في ما يتعلق بالمستخدمين المصريين، ليبدو أداة لطيفة لاستعادة الأحداث الرئيسة وأبرز ما أثار اهتمام الناس على مدى عام. هكذا، يقف الإعلامي المثير للجدل توفيق عكاشة (قناة «الفراعين» المحسوبة على فلول النظام السابق)، جنباً إلى جنب مع «الإخواني» خيرت الشاطر. والساسة نادر بكار ومحمد أبو حامد وحازم صلاح أبو إسماعيل وحمدين صباحي ومحمد مرسي يحتشدون في ركن واحد على رغم تبايناتهم. أما في خانة صور «غوغل»، فنجد في مراتب متقاربة من نسب البحث صور الشخصية الكرتونية «سبونج بوب» مع أحمد شفيق وعلم مصر وجون سينا! عكاشة سيّد الشخصيات عام مصري مضى، بتناقضاته وسجالاته وإرهاصاته، وأبى إلا أن يخلّف مادة بحثية أطرف وأشد تناقضاً من أحداثه. فجلوس توفيق عكاشة، صاحب ومذيع وضيف قناة «الفراعين» المغلقة بحكم المحكمة، على قمة لائحة الشخصيات الأكثر موضعاً للبحث قد يثير علامات تعجب واستفهام. ويتفاقم العجب إزاء خيرت الشاطر الذي يحلّ في المرتبة الثانية، وبعده الراحل البابا شنودة الثالث في توالٍ غريب، بالتزامن مع فتوى «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح السلفية» (والشاطر في مجلس أمنائها) بعدم جواز مشاركة أو تهنئة النصارى (الأقباط) وأهل الملل في مناسباتهم الدينية. وبعيداً من الدين، يأتي رئيس الوزراء هشام قنديل، مع صاحب القفزة التاريخية فيليكس باومغارتنر، ليحتلا المرتبتين التاليتين. أما وزير الدفاع أول عبدالفتاح السيسي، وما يمثله من أهمية في المؤسسة العسكرية بالنسبة إلى أمن المصريين وأمانهم، فيقف على طرف النقيض من البلطجي الشهير صبري نخنوخ، إلا أنهما احتلا مركزين متتاليين في اهتمام الباحثين المصريين عن الشخصيات المهمة، ما يعكس آمال المصريين وطبيعة مخاوفهم طوال 2012. وهذه التطلّعات والهواجس لا تعكسها حركة البحث على «غوغل» عن الشخصيات فحسب، بل عن الأحداث أيضاً. أحداث بورسعيد، يوم الذكرى السنوية الأولى ل«موقعة الجمل»، جاءت على رأس قائمة الأحداث التي بحث عنها المصريون، وتلتها «اللجنة العليا للانتخابات» التي شغلت البال وأرقت الحال وأثارت القيل والقال، بدءاً بانتخابات مجلس الشعب، ثم الشورى، ومنها إلى الرئاسة، وانتهاء بالدستور! واستمرت شهرة «ميدان التحرير»، أرض الثورة المصرية، في عام 2012. واحتل كل من «حزب النور» السلفي، وحزب «الحرية والعدالة» الإخواني، المرتبتين الخامسة والسابعة في قائمة العبارات الأكثر بحثاً، وهو ما يفسر احتلال كل من «انتخابات الرئاسة» و «مشروع النهضة» المرتبتين التاسعة والعاشرة في القائمة ذاتها. وعلى رغم المراتب المتقدمة التي شغلتها عبارات البحث: «حزب الحرية والعدالة» و «خيرت الشاطر» و«مشروع النهضة» في مصر، فإن من يفترض أن يكون الرمز الرئيس في عمليات البحث تلك، وهو الرئيس محمد مرسي، حلّ في المركز الخامس في قائمة الساسة الأكثر حظوة بالبحث، وتفوّق عليه ههنا كل من الناطق الرسمي باسم حزب «النور» السلفي نادر بكار، ورئيس «الحرية والعدالة» سعد الكتاتني، ونائب مجلس الشعب المنحل محمد أبو حامد، والمحلل السياسي معتز بالله عبدالفتاح. وتلى مرسي في القائمة رئيس وزرائه هشام قنديل، ثم حازم صلاح أبو إسماعيل (عقل مجموعة «حازمون»، وقلب «حازميات»، وجسد «أولاد أبو إسماعيل»!) ومن بعده كل من النائب السابق الدكتور عمرو حمزاوي، والمرشحين الرئاسيين السابقين حميد صباحي وعبدالمنعم أبو الفتوح. شفيق هزم الورد ولأن علم مصر هو الوحيد جامع الأضداد، فقد حاز المرتبة الأولى في عمليات البحث عن الصور. فهو الذي يستخدمه الليبرالي «صورة بروفايل» على «فايسبوك» وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، ويشهره «الإخواني» على صفحته الإلكترونية دفاعاً عن وطنيته، ثم يستخرجه السلفي من «غوغل» ليضيف إليه «لا إله إلا الله محمد رسول الله». لكن الغريب حقاً أن صورة المرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق تلت العلم الوطني المصري في القائمة، متفوقة بذلك على صور الورود والأزهار التي يعشقها المصريون خلفية لشاشاتهم وبرقيات لأصدقائهم ورمزاً لنسائهم في قوائم انتخاباتهم السلفية. لكن، لا القوة ولا الأطفال يعترفون بالسلفية أو «الإخوانية» أو الليبراالية عائقاً أمام متعة المشاهدة النابعة من اهتمامات فردية تتجاوز الشأن العام، ولعلها شكّلت للكثيرين «استراحة» من الضغط المحيط بهم في كل مكان، وربما كانت وسيلة تمرير الوقت لغير المبالين. هكذا، تبوأ كلّ من بطل المصارعة جون سينا وبطل الكرتون «سبونج بوب» المركزين الرابع والخامس ضمن الصور الأكثر رواجاً. وعلى النهج نفسه، ورغم أنف الثورة والثوار، وتحدياً للمرشد والشاطر، وعنداً في السلفيين وأبو إسماعيل... احتلّ «عصير الفراولة» قائمة الأغذية الأكثر بحثاً مصرياً، ومعه «الشيش كباب» و«الحمص بالطحينة» و«الكوسى بالبشاميل» و«حمام محشي»، والحلو «عيش سرايا»، من دون أن تغيب «الطعمية»... في غياب كامل وشامل للأكل الخفيف، إذ اكتفى المصريون على ما يبدو بالدستور المسلوق.