من ينظر إلى العراق اليوم، لا بد أن ينتابه الحزن لما آلت إليه أحوال بلاد الرافدين من دمار وخراب، كان السبب الرئيس فيها هو الغزو الأميركي له، وتدمير بنية الدولة العراقية السياسية من الولاياتالمتحدة الأميركية، معتقدة أن بإمكانها السيطرة على هذا البلد ونهب ثرواته، رافضة كل التحذيرات التي وجهت لها من دول المنطقة الفاعلة، بعدم الإخلال بتوازن القوة في المنطقة من خلال إضعاف وتدمير العراق، مما يفسح المجال للصعود الإيراني، بل إن النتيجة هي إطلاق يد إيران في العراق بشكل مطلق، وتسليمه لها على طبق من ذهب، خصوصاً عندما ظهرت النتائج السلبية جداً، بعد الانسحاب الأميركي منه، لذا لا بد من استعراض أهم الأزمات التي تعصف بالعراق داخلياً وخارجياً، ومعرفة أسباب هذه الأزمات وتأثيراتها، واللاعب الرئيس فيها، ومدى تأثيراتها في دول الجوار. كانت آثار الغزو الأميركي على العراق كارثية بكل المقاييس، إذ تحول العراق المتماسك المستقر إلى بلد شبه مقسم إلى ثلاث دويلات على أساس عرقي وطائفي، مما أفسح المجال للقوى المتربصة به، وبالمنطقة، وأخص هنا إيران، التي من الواضح أنها هيمنت عليه، وتهدد جيرانه بتصدير عدم الاستقرار والفوضى لهم، لذلك أصبح العراق ورقة في يدها، من خلال إيصالها حلفائها فيه للحكم والسيطرة عليه بشكل مطلق، وعدم سماحها بتداول السلطة فيه إلا ما يخدم مصالحها، لذلك كانت قرارات حل الجيش وصياغة الدستور، وتهميش السنة والانتقام منهم، كارثية من المحتل تجاه مستقبل العراق السياسي. منذ وصول رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى السلطة بعد انتخابات تشريعية أجريت في 2010، لم يفز بها بالأغلبية، بل تقدم عليه ائتلاف القائمة العراقية بقيادة أياد علاوي بفارق صوتين (91) بينما حصل ائتلافه على 89، لكنه لم يقبل بالنتيجة ورفض الاعتراف بها، وخلق أزمة سياسية استمرت حوالى تسعة أشهر، حتى تم تشكيل الحكومة ومن خلال اتفاق دولي وإقليمي، كان لإيران الدور الرئيس في دعم المالكي لرئاسة الحكومة، ولذلك نرى أن له دوراً كبيراً في افتعال الأزمات مع الأحزاب السياسية العراقية، ومع الدول المجاورة التي لا تتماشى مع السياسة الإيرانية، ما يعزز الاعتقاد أنه يحكم العراق لتنفيذ الأهداف الإيرانية ليس فقط في العراق، بل في المنطقة المحيطة به، لذا يعتقد العديد من المحللين والخبراء أن رئيس الوزراء العراقي لن يستطيع الاستمرار والبقاء على رأس السلطة من دون افتعال العديد من الأزمات السياسية الداخلية والخارجية. منذ انتهاء الاحتلال الأميركي للعراق، تحول إقليم كردستان إلى شبه دولة مستقلة، حيث تعقد حكومة الإقليم الاتفاقات مع شركات النفط من دون الرجوع إلى الحكومة المركزية في بغداد، ما خلق أزمة سياسية مع الأكراد، يمكن أن تؤدي في النهاية إلى مواجهة مسلحة بين الطرفين. لكن من ينظر إلى الأزمة الكردية - العراقية، يرى أن رئيس الوزراء يتحمل مسؤوليتها، لأنه كان يغض الطرف في السابق عن المخالفات التي يتحدث عنها الآن من حكومة الإقليم، لأغراض سياسية شخصية أو حزبية، لكن بعد أن تم له تعزيز سلطته والتي ضحى بمصالح العراق من أجلها، بدأ يصعّد مع الأكراد الذين كانوا يستغلون رغبته في السلطة للحصول على مكاسب سياسية لهم، وكل ذلك على حساب العراق كوطن وشعب. كانت الأزمة مع ائتلاف القائمة العراقية، التي يمثل نواب السنة الأغلبية فيها، هي المحرك الرئيس الذي كشفت مدى طائفية المالكي، من خلال عدم اعترافه بفوز هذه القائمة أولاً، وملاحقة أغلب نوابها ومسؤوليها من السنة ثانياً، إذ قام باتهام نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بالإرهاب، وأصدر بحقه القضاء العراقي حكماً بالإعدام غيابياً، جعله يفر لتركيا، خوفاً من تسييس القضاء، وهو ما حصل فعلاً، إذ صدر الاتهام الثاني بحق أفراد حماية وزير المالية العيساوي، واعتقالهم، ليتكرر سيناريو طارق الهاشمي، ومن ثم تتضح الصورة أن النواب والمسؤولين من الطائفة السنية في العراق مستهدفون من رئيس الوزراء المالكي، الذي يتمتع بسلطات واسعة جداً لم يحصل عليها أي مسؤول في حكومة منتخبة، ويفترض أن تكون حكومته ديموقراطية. بالنسبة لتركيا، قام المالكي ومنذ لجوء نائب الرئيس العراقي لها، بالتصعيد تجاهها، محملاً إياها مسؤولية إيوائه، وطالبها بتسليمه للسلطات العراقية، وهو أمر لا يمكن أن يتم ما دام هناك خطر على حياته، إذ يعزز موقفها في هذه المجال القانون الدولي، الذي يمنع تسليم الأشخاص إلى دولهم في حال وجود خطر على حياتهم، ولذلك أخذ المالكي بالتصعيد تجاه تركيا لخلق أزمة معهم تساعده في البقاء بالسلطة. قاد المالكي قبل أكثر من عامين حملة على سورية، متهماً إياها بدعم الإرهاب في العراق، ومطالباً مجلس الأمن الدولي باتخاذ قرار حاسم في هذا المجال، لكن هذه الموقف تحول بشكل دراماتيكي، إذ أصبح النظام السوري في نظره ضحية التآمر الدولي عليه، ولذلك يرى الخبراء أن هذا التحول المفاجئ في موقف المالكي جاء بسبب الضغط الإيراني عليه لتغيير موقفه تجاه سورية، ودعمها ضد الثورة الشعبية التي اندلعت فيها، وكذلك يبدو أنه استشعر الخطر الذي سوف يأتي من سورية في حال سقوط الأسد على مصالحه الشخصية والفئوية، ما يعزز الاعتقاد لدى العديد من الخبراء والمحللين عن مدى النفوذ الإيراني عليه، وهو اعتقاد أثبته هذا التحول المفاجئ تجاه الأزمة في سورية، ودعمه نظام الأسد بأشكال الدعم كافة، سواء أكان الاقتصادي أم السياسي أم اللوجستي، وكل هذا الدعم يتم من خلال التوجيهات الإيرانية له. إن دور المالكي في العراق دور سلبي، إذ أثبت للجميع، من خلال متابعة أدائه السياسي أنه لا يمكن له أن يستمر في العمل السياسي كرئيس وزراء للعراق من دون خلق أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية داخلية أو خارجية، وما احتجاجات محافظة الأنبار إلا مؤشر على خلقه للازمات الداخلية، ولذلك فالسؤال المطروح هو: هل تكون احتجاجات الأنبار بداية لربيع عراقي؟ * أكاديمي سعودي. [email protected]