اطلق «داعش» سراح 46 رهينة تركياً أمس بعد أكثر من مئة يوم في قبضة التنظيم الذي خطفهم من القنصلية التركية عندما استولى على الموصل، في ما يعتقد أنها «صفقة بين التنظيم والرئيس رجب طيب أردوغان تقايض إطلاق الرهائن بعدم انضمام أنقرة إلى تحالف دولي يريد القضاء على الدولة الإسلامية في العراق وسورية». وكشف رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، أن «الاستخبارات حاولت ست مرات سابقاً تحرير الرهائن لكنها فشلت». ورغم تشديد الحكومة على الرهائن بعدم الإدلاء بأية تصريحات عن تفاصيل تجربتهم واعتذار داود أوغلو عن كشف تفاصيل العملية والاكتفاء بتأكيده أنه لم يتم دفع فدية ل «داعش» أو الدخول في عمل مسلح ضده، إلا أن المعلومات التي تسربت عن العملية تشير إلى أن المفاوضات بدأت بين الاستخبارات التركية و «داعش» منذ اليوم الأول لخطف الرهائن، وتكثفت قبل أسبوعين، ما أدى إلى موافقة التنظيم على الإفراج عن الرهائن وإعادة مبنى القنصلية، بفضل تيار العشائر والبعثيين داخل «داعش»، الذين أبقت أنقرة على علاقة جيدة معهم منذ انتفاضتهم في العراق في 2007. وبينما أعلن الرئيس أردوغان أن المحتجزين اطلق سراحهم ضمن «عملية إنقاذ» نفذتها القوات الخاصة، قالت مصادر مسؤولة ل «الحياة» إن التيار البعثي والعشائري لم يكن راضياً على عملية خطف الرهائن، ودخل في سجال مع قيادة «داعش» في هذا الشأن، ما دفع الحكومة لمحاولة استعادة الرهائن من دون اللجوء إلى الخيار العسكري». وأوضح أردوغان أنه «منذ اليوم الأول لعملية خطفهم، تابعت وكالة الاستخبارات هذه المسألة بصبر وعناية، وأخيراً قامت بعملية إنقاذ ناجحة»، لكن مصادر عراقية أكدت أن وساطة عشائر السنة في العراق هي التي أدت إلى الإفراج عن الرهائن. كما كان لافتاً نقل الرهائن براً من الموصل إلى سورية ومن ثم عبورهم إلى تركيا عبر بوابة تل أبيض التي يسيطر عليها «داعش»، مع التأكيد بأن الجيش والاستخبارات التركية أشرفا على حراسة القافلة طوال الطريق. ولم تكشف الحكومة التركية عن تفاصيل تلك المفاوضات المعقدة التي جرت مع «داعش» وما إذا كانت أنقرة تعهدت له بشيء، لكن التسريبات تحدثت عن أن أهم جولات المفاوضات جرت أثناء إعلان الرئيس باراك أوباما خطته لضرب «داعش» وحشد دعم دولي لذلك وزيارات المسؤولين الأميركيين لأنقرة التي جاءت في هذا الإطار، ما يشير إلى أن موقف تركيا من الانضمام إلى ذلك الحلف كان حاضراً أثناء المفاوضات على الرهائن، على رغم أن داود أوغلو نفى أي دور أميركي في عملية تحرير الرهائن. وقالت مصادر مقربة منه: «بالنظر إلى محاولة الاستخبارات الأميركية الفاشلة في تحرير الصحافيين الأميركيين فإنه من العبث الحديث عن مساعدة أميركية لتركيا في هذا الشأن». لكن المصادر أكدت أن تركيا كانت تتابع الرهائن عبر الأقمار الاصطناعية والطائرات من دون طيار والتعاون الاستخباراتي مع الدول الصديقة، وأن هذا التعاون لم يمتد إلى العمل على الأرض، حيث تم نقل الرهائن ثماني مرات إلى أماكن مختلفة في الموصل. في المقابل تحدث موقع «تقوى» الإسلامي التركي القريب من «داعش» عن «مفاوضات بين دولتين جرت لتحرير الرهائن وأن تركيا تعرفت من خلالها على جدية وقوة تنظيم الدولة الإسلامية والتزامه تعهداته». وشككت مصادر مقرّبة من الحكومة في أن يؤدي تحرير الرهائن إلى تغيير موقف تركيا من التحالف الدولي ضد «داعش»، بل على العكس فإن ما حصل سيدعّم نظرية تركيا بأن الوضع في العراق وسورية أكثر تعقيداً مما تظن واشنطن، وأنه يمكن الوصول إلى نتائج على الأرض بعيداً من العمل العسكري، والتأكيد على أن «داعش» يستمد قوته من دعم العشائر والتنظيمات السنية، وأنه يجب التفاوض والحوار مع تلك التيارات السنية بالتوازي مع إضعاف قوة «داعش» عسكرياً من أجل الوصول إلى نتيجة. ومن بين الرهائن القنصل التركي في الموصل وزوجته وعدد كبير من الدبلوماسيين وأطفالهم، بالإضافة إلى عناصر من القوات الخاصة التركية. وعاد الرهائن بالطائرة إلى أنقرة برفقة داود أوغلو حيث استقبلتهم عائلاتهم والمئات من أنصار حزب «العدالة والتنمية» الحاكم. وقال أوغلو، الذي صعد إلى حافلة الركاب محوطاً ببعض الرهائن: «إنهم أبطال، مثل أولئك الذين أعادوهم إلى تركيا». وأضاف: «لقد انتظروا بكل صبر وفخر ورفضوا الانحناء وظلوا صامدين». كما أشاد بالقوات الأمنية التي «عملت بشكل منسق لكي تحررهم». وقال القنصل المفرج عنه أوزتورك يلماظ للصحافيين: «لم أفقد الأمل يوماً. سأتذكر دائماً تجربتي هذه بكل اعتزاز».