اللورد نورمان فوستر، علاوة على كونه لورداً إنكليزياً هو من أعظم المهندسين المعماريين على مستوى العالم، والحائز على جائزة «بريتزكر» في الهندسة المعمارية، وهي تعادل في قيمتها جائزة نوبل. ولو تصفح القارئ موقع «فوستر وشركاؤه» على الإنترنت لاطلع على قائمة بأسماء المشاريع التي حملت اسم المؤسسة، ومنها برج الفيصلية في الرياض - كأول ناطحة سحاب سعودية- بدأ العمل بها، وكما يذكر الموقع منذ عام 1994 إلى عام 2000. هذا غير مشروع «سكة حديد الحرمين» بتاريخ يبدأ من عام 2009، وصوره الافتراضية العملاقة كما المتوقع له عند الانتهاء، ويربط بين كل من مكةالمكرمة والمدينة المنورة، مروراً بجدة ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية. وبالعموم هذا ما نقله الموقع المحدّث، فلا تنفي المستجدات والتعديلات اللاحقة عادةً على المشاريع ابتدائية الاتفاقات التي تتم مع الشركات الدولية الكبرى. أمّا المهندسة العربية- العراقية الأصل- زها حديد، الحائزة أيضاً على جائزة «بريتزكر» المعمارية كأول امرأة تفوز بها منذ بدايات تخصيص الجائزة، التي يعود تاريخها إلى عام 1979، مع صغر سنها التي لم يسبقها إليه أحد من المعماريين حين استحقت الجائزة في عام 2004 بعمر يناهز 54 عاماً... فهي المهندسة المبدعة مصممة المركز المائي للألعاب الأولمبية بلندن حديثاً (على شكل موجة بحر عملاقة)، وهي من أوكل إليها مشروع مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية في عام 2009. كل هذا الاستقطاب المُكلِف والسالف تقديمه إنما يؤهله توافر المادة، وهذه هي إحدى ميّزات وجود المال حين يعينك على الارتقاء بتوقعاتك والاستعانة بأفضل ما يكون في أي مجال. إلاّ أن ما يحرك المال ويوجهه هو عقل الإنسان أولاً. فإذا اجتمع العقل والمال فلا شك أن التطور سيكون حليفهما الثالث، فإنْ حضر المال وتوعّك العقل بأمراض الطمع والشهوة وأنانية التملك، فسيدخل حلفاء آخرون على الخط... حلفاء لن يكونوا بحال بمستوى الإنجاز اللائق والمطلوب! وهذا هو ابتلاء المال في غياب الضمير والمحاسبة القانونية. أما ما يحقِّر من شأن الفساد، فضلاً عن كونه فساداً وضراً، أن من يسرق ويرتشي لو آثر السلامة ومخافة الله فسيكون ربحه مضاعفاً! يأتيه من السماء لحفظه الأمانة، ومن الأرض لإنجازه العمل. فالربح حاصل حاصل، فلماذا الجشع والتوحّش المقزِّز الذي نقرأ عنه ونشهده يومياً في المشاريع المعطلة والثروات المغتصبة؟ ولا أوقح من مصلٍّ يخرج من المسجد لينهب، فكيف أحلّها لنفسه؟! وفي ذلك لا يسأل إلاّ المعني، فدائماً منطق الحرامي غير. بقول الملك عبدالله لوزرائه ومسؤوليه «من ذمتي لذمتكم»، فيه إبراء صريح لذمته، وتوجيه بالتكليف المباشر لمن عُهد إليهم بالأمر، وعندها لا يُعفي من هو فوقُ تقصير من هو تحت. أمّا كلمة الملك «من ذمتي لذمتكم»، فهي حصرية للملك، وحقوقها محفوظة للملك، وليس على من يتلقون أوامره سوى إنفاذها، ثم متابعة و«ملاحقة» سيرها، فلا يحرِّفون الكلم عن مواضعه، بل يؤدون أماناتهم التي هي في أعناقهم، وسيسألون عنها يوم مشهد عظيم. فمع أرقام الموازنة الضخمة للدولة، ومع استقطاع الملايين لخدمة المواطن الإنسان وحاجاته الرئيسة.. فمن المنتظر أن يقابلها ارتياح موازٍ في موازنات المواطنين يتناسب مع اقتصاد وطنهم واستقراره السياسي، ومع كل هذا تجد أن شكوى المواطن في تصاعد مستمر.. فهل لعلماء الاجتماع ومحللي الاقتصاد قدرة على حل اللغز العصي في تفسير تضاعف نسبة الفقر والفقراء؟ أيكون في تدني درجة الوعي وترتيب الأولويات؟ أيكون في توسيع فوهة الاستهلاك المحلي؟ أيكون في وهم التباهي؟ أم يكون أعلاها في الذمم الناقصة وأصحابها الناقصين؟ فالدولة لم تبخل بخيراتها ومدخراتها، وكل ما تبقى هو استدراج لعنوان المواطن! أيكون وطنياً مخلصاً لأرضه أم يكون محسوباً على الوطن وأهله المخلصين؟ وكما قيل: «لولا إخلاص الشرفاء لخربت»، ولكنها عامرة بالخير وبالنفس الكريمة النائية عن الزلل.. عامرة بالوطن المتربِّص بكل خائن لم يثمّن قيمة الرصيد الوطني في هذا الزمن الصعب. كاتبة سعودية [email protected]