«فتح» جدّدت شبابها، تمسكت بالمقاومة المسلحة كوسيلة من وسائل النضال لإقامة الدولة الفلسطينية، أسوة بأداة الديبلوماسية والمفاوضات. لكن كل ذلك لا يكفي، إذ تنصّب «حماس» نفسها كوصي وحيد على قضية الصراع مع إسرائيل، لذلك تنتظر اختباراً جديداً ل «وطنية» حركة «فتح» بعد مؤتمرها السادس. ولعل أغرب ما أجادت به «حماس» خلال عقد المؤتمر في بيت لحم، إعلانها انها «لا تتدخل» في اختيار «فتح» قادتها، فيما الأولى منعت شخصيات من مغادرة قطاع غزة للمشاركة في انتخابات اللجنة المركزية ل «فتح» والمجلس الثوري. صحيح أن إطاحة الانتخابات «الحرس القديم» لما يوصف بحزب السلطة الفلسطينية، هو الإنجاز الثاني الذي سينعش دور الرئيس محمود عباس بدفع جديد، بعد الإنجاز الأول المتمثل بالنجاح في عقد مؤتمر «فتح» المعطل منذ عشرين سنة، ولكن تمديد صراع السلطتين بين الضفة الغربية وقطاع غزة، سيحجّم ما تحقق في بيت لحم الى مجرد مناسبة احتفالية، بنقل «وظائف» ومواقع نفوذ من «شيوخ فتح» أو كهولها الى شباب 2009. وإذا كان المؤتمر ضرورة منذ عشرين أو ثماني عشرة سنة، حجّمت آمال الفلسطينيين بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، إما بسبب أنانيات أصحاب النفوذ في «فتح»، وإما لحصد النتائج المرّة للانزلاق الى مستنقعات عربية أغرقت بندقية فلسطين في دهاليز سياسات بعض العرب... فالمعضلة التي يواجهها اهل السلطتين في الضفة وغزة، هي الالتقاء في منتصف طريق البرامج السياسية، وإلا أمعن الإسرائيلي في تصفية ما بقي من القضية، بعدما هشّم قدسيتها صراع الاخوة الأعداء بين «فتح» و «حماس»، وبأسهم في الضفة والقطاع. بعض العرب كان جرّ «شيوخ» فتح في شبابهم الى وحول حساباته المحلية، وتصفيات عربية. «حماس» لم تتعلم الدرس، بل تضخمت معها مستنقعات الوحول لتصبح الحسابات إقليمية، وتضخمت عضلات الحركة مستفيدة من شعبية انتخابية. ولكن، بعد الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة، «حماس» باقية ومعها الأنقاض وخيم اللاجئين على أرضهم. جذوة النضال باقية، ولماذا لا تجدد الحركة شبابها ايضاً، فتزداد حظوظ المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، أم هي أزمة تنافر بين ليبرالية تتهم باليمينية منذ حقبة الرئيس الراحل ياسر عرفات، و «إسلامية» تقارع العدو الى ان يعترف بها رقماً صعباً، ويخرّ صاغراً لتسليمها الدولة الفلسطينية. رغم كل شيء، والدمار المأسوي لشعب مشرد في أرضه في غزة، لا يمكن تحميل «حماس» كل الذنوب التي ارتُكبت. فالفساد في «فتح» والمحاصصة الخفية لم يكونا مجرد خرافة، أما اذا كان بعضهم في الضفة يتخيل ان تتلو «حماس» فعل الندامة، فذاك هو الخرافة بعينها. لكل من الفريقين برنامجه وشبابه «الطارئ»، ولكن هل يبقى مباحاً ان يقدما في مواجهة مشروع الدولة اليهودية، فلسطينَيْن، «ليبرالية» و «إسلامية»؟ لقد طال الجرح وغار، وإن كانت «فتح» خطت خطوة لملاقاة «حماس» في المصالحة، بتبني المقاومة بكل أشكالها حقاً مشروعاً لاستعادة ارض فلسطين اولاً، هل تضنّ «حركة المقاومة الإسلامية» على المنكوبين في غزة، بنصف خطوة على طريق ترميم الوحدة في حوار القاهرة؟ وإن كانت «فتح» اختارت «فلسطين أولاً» من دون تجيير مآسي المنكوبين لأرصدة «كبار» في لعبة الأمم، هل يضير «حماس» إعادة الاعتبار لقضية الوطن، أولى الأولويات، قبل أي نظام وأي برنامج سياسي؟ لا يمكنها بالطبع ان تنكر سعيها علناً الى اعتراف غربي بها، وفتح حوار معها، والعين المغمضة في الضفة أو غزة هل ترى ان الغرب، أوروبياً أم أميركياً، لا يعطي باليمين إلا ليأخذ باليد اليسرى لإسرائيل وحدها؟ استحق كهول «فتح» اقصاءهم، فهم احتكروا فلسطين نفوذاً ومصالح وأهواء، وساعدوا مع سلطة غزة في تفتيت حلم الدولة – الوطن. هل تتعلم «حماس» الدرس، فتغمض العين عما هو أبعد من تراب فلسطين، وتصمّ الأذن عن كل نصيحة غير نصيحة الوحدة العاجلة، للتكفير عما ارتكبته كل الفصائل في حق شعب يعاني تخمة اليأس، ومرارة خناجر الاخوة التي باتت أشد فتكاً من الصواريخ الإسرائيلية. بعضهم في «حماس» حين ينتظر اختبار نيات «الخصم» الفتحاوي، يستغرق طويلاً في فحوص الوطنية، فيما حكومة نتانياهو تتفرغ لمشاريع التهويد وابتلاع كل أحياء القدس... أما الأحياء في غزة فيزدادون تخمة باليأس، كلما زادت جولات الحوار البيزنطي، لمصالحة من أجل وطن يُهزم أمام سياسات فاشلة. ... وستبقى فاشلة ما دام مصير فلسطين في يد إسرائيل.